صفحة جزء
الثانية: إذا وجدنا فيما نروي من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته فقد تعذر - في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد؛ لأنه ما من إسناد من ذلك إلا وتجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان.

فآل الأمر إذا في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها - لشهرتها - من التغيير والتحريف، وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد - خارجا عن ذلك - إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة، زادها الله تعالى شرفا! آمين.


[ ص: 226 ] 9 - قوله: (إذا وجدنا فيما يروى من أجزاء الحديث وغيرها حديثا صحيح الإسناد ولم نجده في أحد الصحيحين ولا منصوصا على صحته في شيء من مصنفات أهل الحديث المعتمدة المشهورة فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته؛ فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد) إلى آخر كلامه.

وقد خالفه في ذلك الشيخ محيي الدين النووي، فقال: والأظهر عندي [ ص: 227 ] جوازه لمن تمكن وقويت معرفته. انتهى كلامه.

وما رجحه النووي هو الذي عليه عمل أهل الحديث، فقد صحح جماعة من المتأخرين أحاديث لم نجد لمن تقدمهم فيها تصحيحا، فمن المعاصرين لابن الصلاح أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن القطان صاحب كتاب "بيان الوهم والإيهام" وقد صحح في كتابه المذكور عدة أحاديث.

منها: حديث ابن عمر أنه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه، ويمسح عليهما، ويقول: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل. أخرجه أبو بكر البزار في مسنده، وقال ابن القطان: إنه حديث صحيح.

[ ص: 228 ] ومنها حديث أنس: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فيضعون جنوبهم، فمنهم من ينام ثم يقوم إلى الصلاة" رواه هكذا قاسم بن أصبغ، وصححه ابن القطان، فقال: وهو - كما ترى - صحيح.

[ ص: 229 ] وتوفي ابن القطان هذا وهو على قضاء سجلماسة من المغرب سنة ثمان وعشرين وستمائة، ذكره ابن الأبار في التكملة.

وممن صحح أيضا من المعاصرين له الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي، جمع كتابا سماه "المختارة" التزم فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يسبق إلى تصحيحها - فيما أعلم - وتوفي الضياء المقدسي في السنة التي مات فيها ابن الصلاح سنة ثلاث وأربعين وستمائة.

وصحح الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري حديثا في جزء له، جمع فيه ما ورد فيه "غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" [ ص: 230 ] وتوفي الزكي عبد العظيم سنة ست وخمسين وستمائة.

ثم صحح الطبقة التي تلي هذه أيضا، فصحح الحافظ شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي حديث جابر مرفوعا: "ماء زمزم لما شرب له" في جزء جمعه في ذلك، أورده من رواية عبد الرحمن بن أبي الموالي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر. ومن هذه الطريق رواه البيهقي في "شعب الإيمان" وإنما المعروف رواية عبد الله بن المؤمل، عن ابن المنكدر، كما رواه ابن ماجه، وضعفه النووي وغيره من هذا الوجه، وطريق ابن عباس أصح من طريق جابر.

[ ص: 231 ] [ ص: 232 ] ثم صححت الطبقة التي تلي هذه، وهم شيوخنا:

فصحح الشيخ تقي الدين السبكي حديث ابن عمر في الزيارة في تصنيفه المشهور كما أخبرني به.

[ ص: 233 ] ولم يزل ذلك دأب من بلغ أهلية ذاك منهم، إلا أن منهم من لا يقبل ذاك منه، وكذا كان المتقدمون ربما صحح بعضهم شيئا، فأنكر عليه تصحيحه. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية