صفحة جزء
وهذه مهمات في هذا النوع :

إحداها : ذكر الحافظ أبو عبد الله أن التابعين على خمس عشرة طبقة :

الأولى : الذين لحقوا العشرة: سعيد بن المسيب، وقيس بن أبي حازم، وأبو عثمان النهدي، وقيس بن عباد، وأبو ساسان حضين بن المنذر، وأبو وائل، وأبو رجاء العطاردي وغيرهم .

وعليه في بعض هؤلاء إنكار، فإن سعيد بن المسيب ليس بهذه المثابة، لأنه ولد في خلافة عمر، ولم يسمع من أكثر العشرة ، وقد قال بعضهم : لا تصح له رواية عن أحد من العشرة إلا سعد بن أبي وقاص.

قلت : وكان سعد آخرهم موتا.

وذكر الحاكم قبل كلامه المذكور أن سعيدا أدرك عمر فمن بعده إلى آخر العشرة .

وقال : ليس في جماعة التابعين من أدركهم وسمع منهم غير سعيد وقيس بن أبي حازم ، وليس ذلك على ما قال كما ذكرناه ، نعم، قيس بن أبي حازم سمع العشرة وروى عنهم، وليس في التابعين أحد روى عن العشرة سواه، ذكر ذلك عبد الرحمن بن يوسف بن خراش الحافظ ، فيما روينا أو بلغنا عنه ، وعن أبي داود السجستاني أنه قال: روى عن التسعة : ولم يرو عن عبد الرحمن بن عوف .

ويلي هؤلاء التابعون الذين ولدوا في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبناء الصحابة كعبد الله بن أبي طلحة، وأبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف، وأبي إدريس الخولاني، وغيرهم .


[ ص: 955 ] 155 - قوله عند ذكر سعيد بن المسيب: (وقد قال بعضهم: لا يصح له رواية عن أحد من العشرة إلا سعد بن أبي وقاص) انتهى.

[ ص: 956 ] قلت: هكذا أبهم المصنف قائل ذلك، والظاهر أنه أخذ ذلك من قول قتادة الذي رواه مسلم في مقدمة صحيحه من رواية همام، قال: "دخل أبو داود الأعمى على قتادة، فلما قام قالوا: إن هذا يزعم أنه لقي ثمانية عشر بدريا، فقال قتادة: هذا كان سائلا قبل الجارف، لا يعرض في شيء من هذا، ولا تتكلم فيه، فوالله ما حدثنا الحسن عن بدري مشافهة، ولا حدثنا سعيد بن المسيب [ ص: 957 ] عن بدري مشافهة، إلا عن سعد بن مالك" انتهى.

وقد اختلف الأئمة في سماعه من عمر، فأنكر صحة سماعه منه الجمهور، كيحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن معين، وأبي حاتم الرازي. وأثبت سماعه منه أحمد بن حنبل، فقال: "قد رآه وسمع منه" وقال يحيى بن معين: "رأى عمر وكان صغيرا" وقال أبو حاتم الرازي: "رآه على المنبر ينعى النعمان بن مقرن".

وأما سماعه من عثمان وعلي فإنه ممكن غير ممتنع، ولكن لم أر في الصحيح التصريح بسماعه من واحد منهما، وذكر الحافظ أبو الحجاج المزي في (تهذيب الكمال) أن روايته عنهما في الصحيحين، ولم أر له عنهما في الصحيحين إلا قوله: "إن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك" أي الاستلقاء في [ ص: 958 ] المسجد، وحديثه قال: "اختلف علي وعثمان رضي الله عنهما وهما بعسفان في المتعة، فقال علي: ما تريد إلى أن تنهى عن أمر فعله النبي صلى الله عليه وسلم" وهذا الحديث لم يعزه الحافظ أبو الحجاج المزي في الأطراف إلى واحد من الشيخين، بل عزاه النسائي فقط، وهو متفق عليه كما ذكرته، ولم أر لسعيد في الصحيح عن عمر وعثمان وعلي غير هذا من غير تصريح بالسماع.

نعم، روينا في مسند أحمد من رواية موسى بن وردان، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت عثمان رضي الله عنه يقول - وهو يخطب على [ ص: 959 ] المنبر: "كنت أبتاع التمر من بطن من اليهود، يقال لهم: بنو قينقاع، فأبيعه بربح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عثمان! إذا اشتريت فاكتل، وإذا بعت فكل" ورواه البزار أيضا في (مسنده) من هذا الوجه، وفيه: "قال: سمعت عثمان يقول على المنبر: كنت أبتاع التمر وأكتال في أوعيتي، ثم أهبط به إلى السوق، فأقول: فيه كذا وكذا، فآخذ ربحي، وأخلي بينهم وبينه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا ابتعت فاكتل، وإذا بعت فكل" وموسى بن وردان وإن كان وثقه العجلي وأبو داود فإن الحديث من رواية ابن لهيعة عنه، قال البزار: "لا نعلمه يروى عن عثمان إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد" انتهى.

والحديث رواه ابن ماجه في سننه، إلا أنه قال فيه: "عن عثمان" لم يصرح [ ص: 960 ] [ ص: 961 ] بسماع سعيد منه. والله أعلم.

وله حديث آخر في المسند صرح بالسماع فيه من عثمان، قال فيه: "رأيت عثمان قاعدا في المقاعد، فدعا بطعام مما مسته النار فأكله، ثم قام إلى الصلاة فصلى، ثم قال عثمان: قعدت مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكلت طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصليت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" وإسناده جيد، قال فيه أحمد: "ثنا الوليد بن مسلم، حدثني شعيب أبو شيبة، سمعت عطاء الخراساني يقول: [ ص: 962 ] سمعت سعيد بن المسيب يقول: رأيت عثمان" وهؤلاء كلهم محتج بهم في الصحيح، إلا أبا شيبة، وهو شعيب بن زريق المقدسي، وقد وثقه دحيم وابن حبان والدارقطني، فثبت سماعه من عثمان. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية