صفحة جزء
الثانية : المخضرمون من التابعين : هم الذين أدركوا الجاهلية، وحياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسلموا، ولا صحبة لهم ، واحدهم مخضرم - بفتح الراء - كأنه خضرم أي قطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحبة وغيرها .


[ ص: 963 ] 156 - قوله: (الثانية : المخضرمون من التابعين : هم الذين أدركوا الجاهلية، وحياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأسلموا، ولا صحبة لهم ، واحدهم مخضرم - بفتح الراء - كأنه خضرم أي قطع عن نظرائه الذين أدركوا الصحبة وغيرها ) انتهى.

هكذا اقتصر المصنف على أن المخضرم مأخوذ من الخضرمة وهي القطع، وأنه بفتح الراء، والذي رجحه العسكري في اشتقاقه غير ما ذكره المصنف، فقال في كتاب (الأوائل): "المخضرمة من الإبل التي نتجت [ ص: 964 ] بين العراب واليمانية، فقيل: رجل مخضرم إذا عاش في الجاهلية والإسلام. قال: وهذا أعجب القولين إلي" انتهى.

قلت: فكأنه مأخوذ من الشيء المتردد بين أمرين هل هو من هذا أو من هذا. قال الجوهري: "لحم مخضرم -بفتح الراء - لا يدرى من ذكر هو أم أنثى" قال: "والمخضرم أيضا الشاعر الذي أدرك الجاهلية والإسلام، مثل لبيد، ورجل مخضرم النسب أي دعي" وقال صاحب المحكم: "رجل مخضرم: إذا كان نصف عمره في الجاهلية ونصفه في الإسلام. وشاعر مخضرم: أدرك الجاهلية والإسلام. ورجل مخضرم: أبوه أبيض وهو أسود. ورجل مخضرم: ناقص الحسب. وقيل: هو الذي ليس بكريم النسب. وقيل: هو الدعي. وقيل: المخضرم في نسبه المختلط من أطرافه. وقيل: هو الذي لا يعرف أبواه. وقيل: هو الذي ولدته السراري" ثم قال: "ولحم مخضرم: لا يدرى أمن ذكر هو أم أنثى". وطعام مخضرم: حكاه ابن الأعرابي ولم يفسره.

قال: "وعندي أنه الذي ليس بحلو ولا مر، وماء مخضرم: غير عذب عنه أيضا" انتهى.

[ ص: 965 ] فالمخضرم على هذا متردد بين الصحابة - لإدراكه زمن الجاهلية والإسلام - وبين التابعين؛ لعدم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، فهو متردد بين أمرين.

ويحتمل أنه من (النقص) لكونه ناقص الرتبة عن الصحابة؛ لعدم الرؤية مع إمكانها. قال صاحب (النهاية): "وأصل الخضرمة أن يجعل الشيء بين بين، فإذا قطع بعض الأذن فهي بين الوافرة والناقصة" قال: "وكان أهل الجاهلية يخضرمون نعمهم، فلما جاء الإسلام أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يخضرموا من غير الموضع الذي يخضرم منه أهل الجاهلية" قال: "ومنه قيل لكل من أدرك الجاهلية والإسلام مخضرم؛ لأنه أدرك الخضرمتين".

وروى أبو داود من حديث زبيب العنبري أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "قد كنا [ ص: 966 ] أسلمنا وخضرمنا آذان النعم" الحديث.

وقد ضبط بعضهم المخضرمين بكسر الراء على الفاعلية، فكأنهم كانوا إذا أسلموا خضرموا آذان نعمهم؛ ليعرف بذلك إسلامهم، فلا يتعرض لهم.

فعلى هذا: هل يشترط في حد المخضرم من حيث الاصطلاح أن يكون إسلامه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يدخل فيهم من أدرك الجاهلية والإسلام، ثم أسلم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم أو لا يشترط وقوع إسلامه في حياته، بل لو أسلم بعده سمي مخضرما؟

أطلق المصنف الإسلام ولم يقيده بحياته صلى الله عليه وسلم، ويدل على ذلك أن مسلما - رحمه الله تعالى - عد في المخضرمين جبير بن نفير، وإنما أسلم في خلافة أبي بكر، [ ص: 967 ] قاله أبو حسان الزنادي.

ثم: ما المراد بإدراك الجاهلية؟

تقدم في كلام صاحب (المحكم) أن نصف عمره في الجاهلية ونصفه في الإسلام، وهذا ليس بشرط في المخضرم في اصطلاح أهل الحديث، ولم يشترط أهل اللغة أيضا كونهم ليست لهم صحبة، فالصحابة الذين عاشوا ستين في الجاهلية وستين في الإسلام كحكيم بن حزام، وحسان بن ثابت، ومن تقدم ذكرهم معهم في النوع الذي قبله - مخضرمون من حيث اصطلاح أهل الحديث.

ثم ما المراد بإدراك الجاهلية؟

ذكر النووي في (شرح مسلم) عند قول مسلم: "وهذا أبو عثمان النهدي [ ص: 968 ] وأبو رافع الصائغ وهما ممن أدركا الجاهلية" أن معناه: "كانا رجلين قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم" قال: "والجاهلية ما قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم سموا بذلك؛ لكثرة جهالاتهم" انتهى.

وفيما قاله نظر، والظاهر أن المراد بإدراك الجاهلية إدراك قومه أو غيرهم على الكفر قبل فتح مكة؛ فإن العرب بادروا إلى الإسلام بعد فتح مكة، وزال أمر الجاهلية، وخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتح بإبطال أمور الجاهلية، إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة الكعبة.

وقد ذكر مسلم في المخضرمين يسير بن عمرو، وإنما ولد بعد زمن [ ص: 969 ] الهجرة، وكان له عند موت النبي صلى الله عليه وسلم دون العشر سنين، فأدرك بعض زمن الجاهلية في قومه. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية