1. الرئيسية
  2. التقييد والإيضاح
  3. النوع الثاني والأربعون معرفة المدبج وما عداه من رواية الأقران بعضهم عن بعض
صفحة جزء
النوع الثاني والأربعون

معرفة المدبج وما عداه من رواية الأقران بعضهم عن بعض

وهم المتقاربون في السن والإسناد ، وربما اكتفى الحاكم أبو عبد الله فيه بالتقارب في الإسناد، وإن لم يوجد التقارب في السن .

اعلم أن رواية القرين عن القرين تنقسم :

فمنها المدبج: وهو أن يروي القرينان كل واحد منهما عن الآخر .

مثاله في الصحابة: عائشة وأبو هريرة ، روى كل واحد منهما عن الآخر .

وفي التابعين : رواية الزهري عن عمر بن عبد العزيز ، ورواية عمر عن الزهري. وفي أتباع التابعين : رواية مالك عن الأوزاعي، ورواية الأوزاعي عن مالك . وفي أتباع الأتباع: رواية أحمد بن حنبل عن علي بن المديني، ورواية علي عن أحمد.


[ ص: 1014 ] النوع الثاني والأربعون

معرفة المدبج وما عداه من رواية الأقران بعضهم عن بعض.

162 - قوله: (اعلم أن رواية القرين عن القرين تنقسم:

فمنها المدبج: وهو أن يروي القرينان كل واحد منهما عن الآخر) انتهى.

وفيه أمران:

أحدهما: أن تقييد المصنف للمدبج بالقرينين إذا روى كل واحد منهما عن الآخر - تبع فيه الحاكم في (علوم الحديث) فإنه قال في (علوم الحديث) في [ ص: 1015 ] النوع السادس والأربعين منه: رواية الأقران "وإنما القرينان إذا تقارب سنهما وإسنادهما، وهو على ثلاثة أجناس، فالجنس الأول منه الذي سماه بعض مشايخنا المدبج، وهو أن يروي قرين عن قرينه، ثم يروي ذلك القرين عنه، فهو المدبج) انتهى.

وما قصره الحاكم وتبعه ابن الصلاح على أن المدبج رواية القرينين - ليس على ما ذكراه، وإنما المدبج أن يروي كل من الراويين عن الآخر، سواء كانا قرينين، أو كان أحدهما أكبر من الآخر، فيكون رواية أحدهما عن الآخر من رواية الأكابر عن الأصاغر، فإن الحاكم نقل هذه التسمية عن بعض شيوخه من غير أن يسميه، والمراد به الدارقطني، فإنه أحد شيوخه، وهو أول من سماه بذلك فيما أعلم، وصنف فيه كتابا حافلا سماه (المدبج) في مجلد، وعندي به نسخة صحيحة، ولم يتقيد - في ذلك - بكونهما قرينين، فإنه ذكر فيه رواية أبي بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواية النبي صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر، ورواية عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروايته صلى الله عليه وسلم عن عمر رضي الله عنه، ورواية سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروايته عن سعد.

وذكر فيه أيضا رواية الصحابة عن التابعين الذين رووا عنهم، كرواية عمر عن كعب الأحبار، ورواية كعب عن عمر، ورواية ابن مسعود عن زر بن [ ص: 1016 ] حبيش، ورواية زر عنه، ورواية ابن عمر عن عطية العوفي، وبكر بن عبد الله المزني، ورواية كل منهما عن ابن عمر، ورواية ابن عباس عن عمرو بن دينار، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، وعكرمة مولاه، ورواية كل من الثلاثة عن ابن عباس، ورواية أبي سعيد الخدري عن أبي نضرة [ ص: 1017 ] العبدي، ورواية أبي نضرة عنه، ورواية أنس بن مالك عن بكر بن عبد الله المزني، ورواية بكر عنه.

وذكر فيه أيضا رواية التابعين عن أتباع التابعين، كرواية عبد الله بن عون ويحيى بن سعيد الأنصاري عن مالك، ورواية مالك عن كل منهما. وكرواية عمرو بن دينار، وأبي إسحاق السبيعي، وسليمان بن مهران الأعمش، عن سفيان بن عيينة، ورواية ابن عيينة عن كل من الثلاثة، ورواية أبي إسحاق السبيعي عن ابنه يونس بن أبي إسحاق، ورواية يونس عن أبيه.

وذكر فيه أيضا رواية أتباع التابعين عن أتباع الأتباع، كرواية معمر عن عبد الرزاق، ورواية عبد الرزاق عن معمر، وكذلك ذكر فيه رواية عبد الرزاق [ ص: 1018 ] عن أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وروايتهم عنه، وكذلك ذكر فيه رواية أحمد عن أبي داود السجستاني، وعن ابنه عبد الله بن أحمد، ورواية [ ص: 1019 ] كل منهما عن أحمد، وغير ذلك.

فهذا يدل على أن (المدبج) لا يختص بكون الراويين اللذين روى كل منهما عن الآخر قرينين، بل الحكم أعم من ذلك. والله أعلم.

الأمر الثاني: ما المناسبة المقتضية لتسمية هذا النوع بالمدبج؟ ومن أي شيء اشتقاقه؟ ولم أر من تعرض لذلك، إلا أن الظاهر أنه سمي بذلك لحسنه، فإن المدبج لغة هو المزين، قال صاحب (المحكم): "الدبج: النقش والتزيين، فارسي معرب" قال: "وديباجة الوجه حسن بشرته، ومنه تسمية ابن مسعود الحواميم ديباج القرآن".

وإذا كان هذا منه فإن الإسناد الذي يجتمع فيه قرينان، أو أحدهما أكبر من الآخر من رواية الأصاغر عن الأكابر - إنما يقع ذلك غالبا فيما إذا كانا عالمين أو حافظين، أو فيهما أو في أحدهما نوع من وجوه الترجيح، حتى عدل الراوي عن العلو إلى المساواة أو النزول لأجل ذلك، فحصل بذلك تحسين وتزيين، كرواية أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين، ورواية ابن معين عن أحمد، وإنما تقع رواية الأقران غالبا من أهل العلم المتميزين بالمعرفة.

ويحتمل أن يقال: إن القرينين الواقعين في المدبج في طبقة واحدة بمنزلة واحدة، فشبها بالخدين؛ فإن الخدين يقال لهما الديباجتان، كما قاله صاحبا [ ص: 1020 ] (المحكم) و(الصحاح) وهذا المعنى يتجه على ما قاله الحاكم وابن الصلاح أن المدبج مختص بالقرينين.

ويحتمل أنه سمي بذلك لنزول الإسناد؛ فإنهما إن كانا قرينين نزل كل منهما درجة، وإن كان من رواية الأكابر عن الأصاغر نزل درجتين، وقد روينا عن يحيى بن معين قال: "الإسناد النازل قرحة في الوجه" وروينا عن علي بن المديني وأبي عمرو المستملي قالا: "النزول شؤم" فعلى هذا لا يكون المدبج مدحا له، ويكون ذلك من قولهم: "رجل مدبج قبيح الوجه والهامة) حكاه صاحب (المحكم) وفيه بعد، والظاهر أنه إنما هو مدح لهذا النوع، أو يكون من الاحتمال الثاني. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية