صفحة جزء
37 - قوله: (ع): " والبخاري ليس مدلسا" .

أقول: لا يلزم من كونه يفرق في مسموعاته بين صيغ الأداء من أجل مقاصد تصنيفه أن يكون مدلسا.

ومن هذا الذي صرح أن استعمال "قال" إذا عبر بها المحدث عما رواه أحد مشايخه [مستعملا لها] فيما لم يسمعه منه يكون تدليسا.

لم نرهم صرحوا بذلك إلا في العنعنة.

وكأن ابن الصلاح أخذ ذلك من عموم قولهم: إن حكم عن وأن وقال وذكر- واحد.

[ ص: 602 ] وهذا على تقدير تسليمه لا يستلزم التسوية بينها من كل جهة، كيف وقد نقل ابن الصلاح عن الخطيب أن كثيرا من أهل الحديث لا يسوون بين قال وعن في الحكم.

فمن أين يلزم أن يكون حكمهما عند البخاري واحدا.

وقد بينا الأسباب الحاملة للبخاري على التعاليق .

فإذا تقرر ذلك لم يستلزم التدليس لما وصفنا.

وأما قول ابن منده : "أخرج البخاري " قال: "وهو تدليس"، فإنما يعني به أن حكم ذلك عنده هو حكم التدليس ولا يلزم أن يكون كذلك حكمه عند البخاري وقد جزم العلامة ابن دقيق العيد بتصويب الحميدي في تسميته ما يذكره البخاري عن شيوخه تعليقا إلا أنه (وافق ابن الصلاح في الحكم بالصحة لما جزم به وهو) موافق لما قررناه على أن الحميدي لم يخرج ذلك فقد سبقه إلى نحوه أبو نعيم شيخ شيخه، فقال في المستخرج عقب كل حديث أورده البخاري عن شيوخه بصيغة قال فلان كذا: "ذكره البخاري بلا رواية" - والله الموفق - .

تنبيه:

قال ابن حزم في "كتاب الإحكام" : "اعلم أن العدل إذا روى عمن أدركه من العدول، فهو على اللقاء والسماع سواء قال: أخبرنا أو حدثنا أو عن فلان أو قال فلان، فكل ذلك محمول على السماع منه". انتهى.

[ ص: 603 ] فيتعجب منه مع هذا في رده حديث المعازف ودعواه عدم الاتصال فيه - والله الموفق - .

التالي السابق


الخدمات العلمية