صفحة جزء
95 - قوله: (ص): "وكان شعبة من أشدهم ذما (له) ...." إلى آخره.

هو: معروف بذلك. قال القاضي أبو الفرج المعافى النهرواني - في "كتاب الجليس والأنيس" له، في المجلس الثالث والخمسين منه: كان شعبة ينكر التدليس ويقول فيه ما يتجاوز الحد - مع كثرة روايته عن المدلسين.

[ ص: 629 ] ومشاهدته من كان مدلسا من الأعلام ، كالأعمش والثوري وغيرهما إلى أن قال: ومع ذلك فقد وجدنا لشعبة مع سوء قوله في التدليس تدليسا في عدة أحاديث رواها وجمعنا ذلك في موضع آخر. انتهى.

وما زلت متعجبا من هذه الحكاية شديد التلفت إلى الوقوف على ذلك ولا أزداد إلا استغرابا لها واستبعادا إلى أن رأيت في "فوائد أبي عمرو بن أبي عبيد الله بن مندة " وذلك فيما قرأت على أم الحسن بنت المنجا ، عن عيسى بن عبد الرحمن بن مغالى ، قال: قرئ على كريمة بنت عبد الوهاب ونحن نسمع عن أبي الخير الباغيان . أنا أبو عمرو بن أبي عبيد الله بن منده ثنا أبو عمر عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الوهاب إملاء. حدثنا أبو عبد الله أحمد بن موسى بن إسحاق ثنا أحمد بن محمد بن الأصفر ثنا النفيلي ثنا مسكين بن بكير ثنا شعبة قال: سألت عمرو بن دينار عن رفع الأيدي عند رؤية البيت فقال: قال أبو قزعة حدثني مهاجر المكي أنه سأل جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أكنتم ترفعون أيديكم عند رؤية البيت؟ فقال: "قد كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهل فعلنا ذلك"؟

قال الأصفر : ألقيته على أحمد بن حنبل فاستعادني، فأعدته عليه فقال: ما كنت أظن أن شعبة يدلس.

حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي قزعة بأربعة أحاديث هذا أحدها يعني ليس فيه عمرو بن دينار .

[ ص: 630 ] قلت: هذا الذي قاله أحمد على سبيل الظن وإلا فلا يلزم من مجرد هذا أن يكون شعبة دلس في هذا الحديث، لجواز أن يكون سمعه من أبي قزعة بعد أن حدثه عمرو عنه، ثم وجدته في "السنن" لأبي داود عن يحيى بن معين عن غندر عن شعبة قال: سمعت أبا قزعة ..فذكره فثبت أنه ما دلسه والظاهر: الذي زعم المعافى أنه جمعه كله من هذا القبيل وإلا فشعبة من أشد الناس تنفيرا عنه.

وأما كونه: كان يروي عن المدلسين، فالمعروف عنه أنه كان لا يحمل عن شيوخه المعروفين بالتدليس إلا ما سمعوه فقد روينا من طريق يحيى القطان عنه أنه كان يقول: "كنت أنظر إلى فم قتادة ، فإذا قال: سمعت وحدثنا حفظته وإذا قال: عن فلان تركته ، رويناه في المعرفة للبيهقي وفيها عن شعبة أنه قال: كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش وأبو إسحاق وقتادة .

[ ص: 631 ] وهي قاعدة حسنة تقبل أحاديث هؤلاء إذا كان عن شعبة ولو عنعنوها.

وألحق الحافظ الإسماعيلي بشعبة في ذلك يحيى بن سعيد القطان فقال في كتاب الطهارة من (مستخرجه) عقب حديث يحيى القطان عن زهير عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود في الاستجمار بالأحجار: " يحيى القطان لا يروي عن زهير إلا ما كان مسموعا لأبي إسحاق ".

هذا أو معناه.

وكذا ما كان من رواية الليث بن سعد ، عن أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - فإنه مما لم يدلس فيه أبو الزبير كما هو معروف في قصة مشهورة .

وقال البخاري : "لا يعرف لسفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ولا عن سلمة بن كهيل ، ولا عن منصور ولا عن كثير من مشايخه تدليس ما أقل تدليسه.

وقد ذم التدليس جماعة من أقران شعبة وأتباعه.

فروينا عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه قال: "التدليس ذل".

[ ص: 632 ] وحكى عبدان عن ابن المبارك أنه ذكر بعض من يدلس فذمه ذما شديدا وقال: "دلس للناس أحاديثه، والله لا يقبل تدليسا.

رويناه في "علوم الحديث للحاكم " وروينا في أدب المحدث لعبد الغني بن سعيد عن وكيع قال: "لا يحل تدليس الثوب، فكيف تدليس الحديث" .

وعن أبي عاصم النبيل قال: أقل حالات المدلس عندي أنه يدخل في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" والله الموفق.

التالي السابق


الخدمات العلمية