صفحة جزء
[تقسيم أبي شامة علوم الحديث إلى ثلاثة:]

وقد ذكر أبو شامة - في كتاب المبعث - شيئا ينبغي تحريره [ ص: 229 ] فقال: يقال: علوم الحديث الآن ثلاثة:

أشرفها: حفظ متونها ومعرفة غريبها وفقهها.

والثاني: حفظ أسانيدها ومعرفة رجالها وتمييز صحيحها من سقيمها وهذا كان مهما وقد كفيه المشتغل بالعلم بما صنف وألف من الكتب فلا فائدة إلى تحصيل ما هو حاصل.

والثالث: جمعه وكتابته وسماعه وتطريقه وطلب العلو فيه والرحلة إلى البلدان.

والمشتغل بهذا مشتغل عما هو الأهم من علومه النافعة، فضلا عن العمل الذي هو مطلوب الأول وهو العبادة.

إلا أنه لا بأس للبطالين لما فيه من بقاء سلسلة الإسناد المتصلة بأشرف البشر... (إلى آخر كلامه).

[رد الحافظ على أبي شامة : ]

قلت: وفي كلامه مباحث من أوجه:

الأول: قوله: وهذا كفيه المشتغل بالعلم بما صنف فيه.

يقال عليه: إن كان التصنيف في الفن يوجب الاتكال على ذلك وعدم الاشتغال به، فالقول كذلك في الفن الأول [ ص: 230 ] فإن فقه الحديث وغريبه لا يحصى كم صنف في ذلك، بل لو ادعى مدع أن التصانيف التي جمعت في ذلك أجمع من التصانيف التي جمعت في تمييز الرجال وكذا في تمييز الصحيح من السقيم لما أبعد بل ذلك هو الواقع.

فإن كان الاشتغال بالأول مهما فالاشتغال بالثاني أهم؛ لأنه المرقاة إلى الأول. فمن أخل به خلط الصحيح بالسقيم والمعدل بالمجروح وهو لا يشعر وكفى بذلك عيبا بالمحدث.

فالحق أن كلا منهما في علم الحديث مهم، لا رجحان لأحدهما على الآخر.

نعم لو قال: الاشتغال بالفن الأول أهم كان مسلما مع ما فيه.

ولا شك أن من جمعهما حاز القدح المعلى. ومن أخل بهما، فلا حظ له في اسم المحدث.

ومن حرر الأول، وأخل بالثاني كان بعيدا من اسم المحدث عرفا.

هذا لا ارتياب فيه.

بقي الكلام في الفن الثالث: وهو السماع وما ذكر معه، ولا شك أن من جمعه مع الفن الأول كان أوفر قسما وأحظ قسما، لكن وإن كان من اقتصر عليه كان أنحس حظا وأبعد حفظا [ ص: 231 ] فمن جمع الأمور الثلاثة كان فقيها محدثا كاملا، ومن انفرد باثنين منها كان دونه. وإن كان ولا بد من الاقتصار على اثنين فليكن الأول والثاني.

أما من أخل بالأول واقتصر على الثاني والثالث فهو محدث صرف لا نزاع في ذلك.

ومن انفرد بالأول، فلا حظ له في اسم المحدث كما ذكرنا.

هذا تحرير المقال في هذا الفصل. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية