صفحة جزء
54 - وأما قوله: "فيتناول الصلاة وغير الصلاة".

ففيه نظر; لأن الأعم لا دلالة له على الأخص، والمراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حيث يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله ويمد [ ص: 763 ] الرحمن ويمد الرحيم فمن أين له من هذا الحديث أنه كان يجهر بها في "الصلاة" .

وقول أبي شامة - أيضا - : "لو كانت قراءته تختلف لقال له: عن أي قراءتيه تسأل، عن التي داخل الصلاة أو التي خارج الصلاة ؟ فلما لم يستفصله دل أن حاله في ذلك لم يختلف" ففيه نظر، لأنه لا يستلزم من ترك الاستفصال في هذا التعميم [في الصفات، وإنما يستلزم التعميم] في الأحوال، فيستفاد منه أنه كان يقرأ هكذا داخل الصلاة وخارجها ، وأما كونه يجهر ببعض ذلك أو لا يجهر بجميع ذلك أولا ، فلا دلالة في الحديث على ذلك، وعلى تقدير أنه يدل، فيعارضه ما أخرجه أحمد بإسناد صحيح، عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال نافع بن عمر الجمحي راويه : أراها حفصة بنت عمر - رضي الله عنها - أنها سئلت عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت - رضي الله عنها - : "إنكم لا تستطيعونها" فقيل لها: أخبرينا بها: قال: فقرأت قراءة ترسلت فيها الحمد لله رب العالمين، ثم قطع، الرحمن الرحيم، ثم قطع مالك يوم الدين .

فهذا الحديث إن دل حديث أنس - رضي الله تعالى عنه - وأم سلمة [ ص: 764 ] - رضي الله عنها - على إثبات البسملة في الفاتحة لمجرد ذكرها معها دل حديث حفصة - رضي الله عنها - على سقوطها منها، وإذا جمع بينهما بأنه كان يقرأ البسملة فيها - يعني لا يجهر بها في الصلاة فسمعت حفصة - رضي الله تعالى عنها - قراءته داخل الصلاة، وسمعها أنس وأم سلمة خارج الصلاة، كان ذلك ممكنا غير بعيد من الصواب، وهو أولى من دعوى التعارض.

التالي السابق


الخدمات العلمية