صفحة جزء
121 - قوله: (ص): "وقد وضعت أحاديث يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها"، انتهى .

اعترض عليه بأن ركاكة اللفظ لا تدل على الوضع حيث جوزت الرواية بالمعنى. نعم إن صرح الراوي بأن هذا صيغة لفظ الحديث وكانت تخل بالفصاحة أو لا وجه لها في الإعراب دل على ذلك.

والذي يظهر أن المؤلف (لم يقصد ركاكة اللفظ) وحده تدل كما تدل ركاكة المعنى، بل ظاهر كلامه أن الذي يدل هو مجموع الأمرين: ركاكة اللفظ والمعنى معا.

لكن يرد عليه أنه ربما كان اللفظ فصيحا والمعنى /ركيكا إلا أن ذلك يندر وجوده، ولا يدل بمجرده على الوضع بخلاف اجتماعهما تبعا للقاضي أبي بكر الباقلاني .

وقد روى الخطيب وغيره من طريق الربيع بن خثيم التابعي الجليل

[ ص: 845 ] قال: إن للحديث ضوءا كضوء النهار يعرف، وظلمة كظلمة الليل تنكر.

تنبيه:

أخل المصنف بذكر أشياء ذكرها غيره مما يدل على الوضع من غير إقرار الواضع.

[ دلائل الوضع :]

منها جعل الأصوليين من دلائل الوضع أن يخالف العقل ولا يقبل تأويلا، لأنه لا يجوز أن يرد الشرع بما ينافي مقتضى العقل.

وقد حكى الخطيب هذا في أول كتابه الكفاية تبعا للقاضي أبي بكر الباقلاني وأقره. فإنه قسم الأخبار إلى ثلاثة أقسام:

1 - ما يعرف صحته.

2 - وما يعلم فساده.

3 - وما يتردد بينهما.

ومثل للثاني بما تدفع العقول صحته بموضوعها والأدلة المنصوصة فيها نحو الإخبار عن قدم الأجسام وما أشبه ذلك.

ويلتحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة كالخبر عن الجمع بين الضدين وقول الإنسان: أنا الآن طائر في الهواء أو أن مكة لا وجود لها في الخارج.

ومنها: أن يكون خبرا عن أمر جسيم كحصر العدو للحاج عن البيت، ثم لا ينقله منهم إلا واحد; لأن العادة جارية بتظاهر الأخبار في مثل ذلك.

[ ص: 846 ] ومنها: ما يصرح بتكذيب راويه جمع كثير يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب أو تقليد بعضهم بعضا.

ومنها: أن يكون مناقضا لنص الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي.

ومنها: أن يكون فيما يلزم المكلفين علمه وقطع العذر فيه فينفرد به واحد، وفي تقييده السنة المتواترة، احتراز من غير المتواترة فقد أخطأ من حكم بالوضع بمجرد مخالفة السنة مطلقا وأكثر من ذلك الجوزقاني في (كتاب الأباطيل) له.

وهذا لا يتأتى إلا حيث لا يمكن الجمع بوجه من الوجوه أما مع إمكان الجمع، فلا كما زعم بعضهم أن الحديث الذي رواه الترمذي وحسنه من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: "لا يؤمن عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم، فإن فعل فقد خانهم موضوع; لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد صح عنه أنه كان يقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب" وغير ذلك /، لأنا نقول يمكن حمله على ما لم يشرع للمصلي من الأدعية; لأن الإمام والمأموم يشتركان فيه، بخلاف ما لم يؤثر.

وكما زعم ابن حبان في "صحيحه" أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لست كأحدكم إني أطعم وأسقى" دل على أن الأخبار التي فيها أنه كان يضع الحجر على بطنه من الجوع باطلة.

[ ص: 847 ] وقد رد عليه ذلك الحافظ ضياء الدين فشفى وكفى.

ومنها: ما ذكره الإمام فخر الدين الرازي أن الخبر إذا روي في زمان قد استقرت فيه الأخبار، فإذا فتش عنه فلم يوجد في بطون الكتب، ولا في صدور الرجال علم بطلانه.

وأما في عصر الصحابة رضي الله تعالى عنهم حين لم تكن الأخبار استقرت، فإنه يجوز أن يروي أحدهم ما لا يوجد عند غيره.

قال العلائي : وهذا إنما يقوم به (أي بالتفتيش عليه) الحافظ الكبير الذي قد أحاط حفظه بجميع الحديث أو بمعظمه كالإمام أحمد وعلي بن المديني ويحيى بن معين ومن بعدهم كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة .

ومن دونهم كالنسائي ، ثم الدارقطني ; لأن المأخذ الذي يحكم به غالبا على الحديث بأنه موضوع إنما هي الملكة النفسانية الناشئة عن جمع الطرق والاطلاع على غالب المروي في البلدان المتنائية بحيث يعرف بذلك ما هو من حديث الرواة مما ليس من حديثهم وأما من لم يصل إلى هذه المرتبة فكيف يقضي بعدم وجدانه للحديث بأنه موضوع، هذا ما يأباه تصرفهم فالله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية