صفحة جزء
19 - قوله: (ص): (وبنى الإمام منصور التميمي على ذلك أن أجل الأسانيد رواية الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله [ ص: 263 ]

عنهما - ، واحتج بإجماع أصحاب الحديث أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي ) . انتهى.

وقد اعترض الشيخ علاء الدين مغلطاي على ذلك برواية أبي حنيفة عن مالك وبأن ابن وهب والقعنبي عند المحدثين أوثق وأتقن من جميع من روى عن مالك ، انتهى.

فأما اعتراضه بأبي حنيفة ، فلا يحسن؛ لأن أبا حنيفة لم تثبت روايته عن مالك وإنما أورده الدارقطني والخطيب في الرواة عنه، لروايتين وقعت لهما عنه بإسنادين فيهما مقال. وهما لم يلتزما في كتابيهما الصحة، وعلى تقدير الثبوت [ ص: 264 ] فلا يحسن أيضا - الإيراد؛ لأن من يروي عن رجل حديثا أو حديثين على سبيل المذاكرة، لا يفاضل في الرواية عنه بينه وبين من روى عنه ألوفا.

وقد قال الإمام أحمد : أنه سمع الموطأ من الشافعي عن مالك - رضي الله عنه - بعد أن كان سمعه من عبد الرحمن بن مهدي .

ولا يشك أحد أن ابن مهدي أعلم بالحديث من ابن وهب والقعنبي ، فما أدري من أين له هذا النقل عن المحدثين أن ابن وهب والقعنبي أثبت أصحاب مالك .

نعم قال بعضهم: إن القعنبي أثبت الناس في الموطأ، هكذا أطلقه علي بن المديني والنسائي ، وكلاهما محمول على أهل عصره؛ فإنه عاش بعد الشافعي بضع عشرة سنة.

ويحتمل أن يكون تقديمه عند من قدمه باعتبار أنه سمع كثيرا من الموطأ من لفظ مالك ، بناء على أن السماع من لفظ الشيخ أتقن من القراءة عليه [ ص: 265 ]

وأما ابن وهب فقد قال غير واحد أنه كان غير جيد التحمل، فكيف ينقل هذا الرجل أنه أوثق أو أتقن أصحاب مالك ، على أنه لا يحسن الإيراد على كلام أبي منصور أصلا؛ لأنه عبر بأجل. ولا يشك أحد أن الشافعي أجل من هؤلاء. من أجل ما اجتمع له من الصفات العلية الموجبة لتقديمه، وهذا لا ينازع فيه إلا جاهل أو متغافل. والله الموفق.

وعلى تسليم ما ذكره أبو منصور التميمي فبنى العلامة صلاح الدين العلائي وغيره على ذلك أن أجل الأسانيد رواية أحمد بن حنبل عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - [ ص: 266 ]

وقد جمع الحافظ أبو بكر الحازمي في ذلك جزءا سماه (سلسلة الذهب) لكنه في مطلق رواية أحمد عن الشافعي ، وفيه عدة أحاديث رواها أحمد عن سليمان بن داود الهاشمي عن الشافعي وهو جزء كبير مسموع لنا.

وليس في مسند أحمد على كبره من روايته عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - سوى أربعة أحاديث، جمعها في موضع واحد وساقها سياق الحديث الواحد.

وقد ساقها شيخنا في شرح منظومته.

وجمعتها مع ما يشبهها من رواية أحمد عن الشافعي عن مالك ومع عدم التقييد بنافع في جزء مفرد فما بلغت العشرة. والله الموفق.

التالي السابق


الخدمات العلمية