صفحة جزء
[ ص: 515 ] 57 - قوله: (ص): "قول الصحابي - رضي الله عنه - : كنا نفعل" إلى آخره.

حاصل كلام حكاية قولين:

أحدهما: أنه موقوف جزما.

وثانيهما: التفصيل بين أن يضيفه إلى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون مرفوعا. وبه صرح الجمهور.

ويدل عليه احتجاج أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - على جواز العزل بفعلهم له في زمن نزول الوحي فقال: "كنا نعزل والقرآن ينزل لو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن" .

وهو استدلال واضح، لأن الزمان كان زمان التشريع.

وإن لم يضفه إلى زمنه فموقوف.

[ مذاهب العلماء في قول الصحابي كنا نفعل كذا :]

وأهمل المصنف مذاهب:

الأول: أنه مرفوع مطلقا وقد حكاه شيخنا وهو الذي اعتمده الشيخان في صحيحيهما وأكثر منه البخاري .

[ ص: 516 ] الثاني: التفصيل بين أن يكون ذلك الفعل مما لا يخفى غالبا فيكون مرفوعا أو يخفى فيكون موقوفا.

وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي .

وزاد ابن السمعاني في كتاب القواطع فقال: "إذا قال الصحابي: كانوا يفعلون كذا وأضافه إلى عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان مما لا يخفى مثله، فيحمل على تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكون شرعا.

وإن كان مثله يخفى فإن تكرر منهم حمل أيضا - على تقريره لأن الأغلب فيما يكثر أنه لا يخفى - والله أعلم - .

الثالث: إن أورده الصحابي في معرض الحجة حمل على الرفع وإلا فموقوف حكاه القرطبي .

قلت: وينقدح أن يقال إن كان قائل كنا نفعل من أهل الاجتهاد احتمل أن يكون موقوفا وإلا فهو مرفوع ولم أر من صرح بنقله.

قلت: ومع كونه موقوفا فهل هو من قبيل نقل الإجماع أو لا؟ فيه خلاف مذكور في الأصول جزم بعضهم بأنه إن كان في اللفظ ما يشعر به مثل: كان الناس يفعلون كذا فمن قبيل نقل الإجماع وإلا فلا.

[ ص: 517 ] تنبيهات:

الأول: قول الصحابي - رضي الله عنه - كنا نرى كذا - ينقدح فيها من الاحتمال أكثر مما ينقدح في قوله كنا نقول أو نفعل لأنها من الرأي ومستنده قد يكون تنصيصا أو استنباطا.

الثاني: قوله: كان يقال: كذا.

قال الحافظ المنذري : اختلفوا هل يلتحق بالمرفوع أو الموقوف؟

قال: والجمهور على أنه إذا أضافه إلى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون مرفوعا.

قلت: ومما يؤيد أن حكمها الرفع مطلقا ما رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال:

"كان يقال: صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر" .

فإن ابن ماجه رواه من الوجه الذي أخرجه منه النسائي بلفظ "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم –".

[ ص: 518 ] فدل على أنها عندهم من صيغ الرفع - والله أعلم - .

الثالث: لا يختص جميع ما تقدم بالإثبات، بل يلتحق به النفي كقولهم: كانوا لا يفعلون كذا. ومنه قول عائشة - رضي الله عنها – "كانوا لا يقطعون اليد في الشيء التافه" - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية