صفحة جزء
ذكر الخبر المدحض قول من زعم أن هذا الخبر تفرد به سهيل بن أبي صالح .

167 - أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي ، حدثنا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد ، حدثنا أبو عامر العقدي ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن عبد الله بن دينار ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : الإيمان بضع وستون شعبة ، والحياء شعبة من الإيمان .

[ ص: 387 ] قال أبو حاتم : اختصر سليمان بن بلال هذا الخبر ، فلم يذكر ذكر الأعلى والأدنى من الشعب ، واقتصر على ذكر الستين دون السبعين ، والخبر في بضع وسبعين خبر متقصى صحيح لا ارتياب في ثبوته ، وخبر سليمان بن بلال خبر مختصر غير متقصى . وأما البضع ، فهو اسم يقع على أحد أجزاء الأعداد ، لأن الحساب بناؤه على ثلاثة أشياء : على الأعداد ، والفصول ، والتركيب ، فالأعداد من الواحد إلى التسعة ، والفصول هي العشرات والمئون والألوف ، والتركيب ما عدا ما ذكرنا . وقد تتبعت معنى الخبر مدة ، وذلك أن مذهبنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم قط إلا بفائدة ، ولا من سننه شيء لا يعلم معناه ، فجعلت أعد الطاعات من الإيمان ، فإذا هي تزيد على هذا العدد شيئا كثيرا ، فرجعت إلى السنن ، فعددت كل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان ، فإذا هي تنقص من البضع والسبعين ، فرجعت إلى ما بين الدفتين من كلام ربنا ، وتلوته آية آية بالتدبر ، وعددت كل طاعة عدها الله جل وعلا من الإيمان ، فإذا هي تنقص عن البضع والسبعين ، فضممت الكتاب إلى السنن ، وأسقطت المعاد منها ، فإذا كل شيء عده الله جل وعلا من الإيمان في كتابه ، وكل طاعة جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان في سننه تسع وسبعون شعبة لا يزيد عليها ولا ينقص منها شيء ، فعلمت أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم كان في الخبر أن الإيمان بضع وسبعون شعبة في الكتاب والسنن ، فذكرت هذه المسألة [ ص: 388 ] بكمالها بذكر شعبة في كتاب ( وصف الإيمان وشعبه ) بما أرجو أن فيها الغنية للمتأمل إذا تأملها ، فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب .

والدليل على أن الإيمان أجزاء بشعب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خبر عبد الله بن دينار : الإيمان بضع وسبعون شعبة : أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله ، فذكر جزءا من أجزاء شعبه ، هي كلها فرض على المخاطبين في جميع الأحوال ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل : وأني رسول الله ، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار وما يشبه هذا من أجزاء هذه الشعبة ، واقتصر على ذكر جزء واحد منها ، حيث قال : أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله ، فدل هذا على أن سائر الأجزاء من هذه الشعبة كلها من الإيمان ، ثم عطف فقال : وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، فذكر جزءا من أجزاء شعبه هي نفل كلها للمخاطبين في كل الأوقات ، فدل ذلك على أن سائر الأجزاء التي هي من هذه الشعبة وكل جزء من أجزاء الشعب التي هي من بين الجزئين المذكورين في هذا الخبر اللذين هما من [ ص: 389 ] أعلى الإيمان وأدناه كله من الإيمان . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : الحياء شعبة من الإيمان ، فهو لفظة أطلقت على شيء بكناية سببه ، وذلك أن الحياء جبلة في الإنسان ، فمن الناس من يكثر فيه ، ومنهم من يقل ذلك فيه ، وهذا دليل صحيح على زيادة الإيمان ونقصانه ، لأن الناس ليسوا كلهم على مرتبة واحدة في الحياء . فلما استحال استواؤهم على مرتبة واحدة فيه ، صح أن من وجد فيه أكثر ، كان إيمانه أزيد ، ومن وجد فيه منه أقل ، كان إيمانه أنقص . والحياء في نفسه : هو الشيء الحائل بين المرء وبين ما يباعده من ربه من المحظورات ، فكأنه صلى الله عليه وسلم جعل ترك المحظورات شعبة من الإيمان بإطلاق اسم الحياء عليه على ما ذكرناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية