صفحة جزء
[ ص: 64 ] ذكر الاستحباب للإمام أن يكون إنشاؤه بالحرب لمقاتلة أعداء الله بالغدوات

4756 - أخبرنا عمر بن محمد الهمداني قال : حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال : حدثنا آدم بن أبي إياس قال : حدثنا مبارك بن فضالة قال : حدثنا زياد بن جبير بن حية ، قال : أخبرني أبي ، أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ، قال للهرمزان : أما إذا فتني بنفسك فانصح لي ، وذلك أنه قال له : تكلم لا بأس ، فأمنه ، فقال الهرمزان : نعم إن فارس اليوم رأس وجناحان ، قال : فأين الرأس ؟ قال : بنهاوند مع بنذاذقان ، فإن معه أساورة كسرى ، وأهل أصفهان ، قال : فأين الجناحان ، فذكر الهرمزان مكانا نسيته ، فقال الهرمزان : فاقطع الجناحين توهن الرأس .

فقال له عمر رضوان الله عليه : كذبت يا عدو الله ، بل أعمد إلى [ ص: 65 ] الرأس فيقطعه الله ، وإذا قطعه الله عني انفض عني الجناحان ، فأراد عمر أن يسير إليه بنفسه ، فقالوا : نذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تسير بنفسك إلى العجم ، فإن أصبت بها لم يكن للمسلمين نظام ، ولكن ابعث الجنود ، قال : فبعث أهل المدينة ، وبعث فيهم عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وبعث المهاجرين والأنصار ، وكتب إلى أبي موسى الأشعري ، أن سر بأهل البصرة ، وكتب إلى حذيفة بن اليمان ، أن سر بأهل الكوفة ، حتى تجتمعوا جميعا بنهاوند ، فإذا اجتمعتم ، فأميركم النعمان بن مقرن المزني ، قال : فلما اجتمعوا بنهاوند جميعا أرسل إليهم بنذاذقان العلج أن أرسلوا إلينا يا معشر العرب رجلا منكم نكلمه ، فاختار الناس المغيرة بن شعبة ، قال أبي : فكأني أنظر إليه رجل طويل ، أشعر أعور ، فأتاه ، فلما رجع إلينا سألناه ، فقال لنا :

إني وجدت العلج قد استشار أصحابه في أي شيء تأذنون لهذا العربي أبشارتنا وبهجتنا وملكنا أو نتقشف له ، فنزهده عما في أيدينا ؟ فقالوا : بل نأذن له بأفضل ما يكون من الشارة [ ص: 66 ] والعدة ، فلما أتيتهم رأيت تلك الحراب ، والدرق يلتمع منه البصر ، ورأيتهم قياما على رأسه ، وإذا هو على سرير من ذهب ، وعلى رأسه التاج ، فمضيت كما أنا ، ونكست رأسي لأقعد معه على السرير ، قال : فدفعت ونهرت ، فقلت : إن الرسل لا يفعل بهم هذا ، فقالوا لي : إنما أنت كلب أتقعد مع الملك ؟ فقلت : لأنا أشرف في قومي من هذا فيكم ، قال : فانتهرني ، وقال : اجلس ، فجلست ، فترجم لي قوله ، فقال : يا معشر العرب إنكم كنتم أطول الناس جوعا ، وأعظم الناس شقاء ، وأقذر الناس قذرا ، وأبعد الناس دارا ، وأبعده من كل خير ، وما كان منعني أن آمر هؤلاء الأساورة حولي أن ينتظموكم بالنشاب ، إلا تنجسا بجيفكم ؛ لأنكم أرجاس ، فإن تذهبوا نخلي عنكم ، وإن تأبوا نركم مصارعكم .

قال المغيرة : فحمدت الله وأثنيت عليه ، وقلت : والله ما أخطأت من صفتنا ونعتنا شيئا ، إن كنا لأبعد الناس دارا ، وأشد الناس جوعا ، وأعظم الناس شقاء ، وأبعد الناس من كل خير حتى بعث الله إلينا رسولا ، فوعدنا النصر في الدنيا والجنة في الآخرة ، [ ص: 67 ] فلم نزل نتعرف من ربنا - مذ جاءنا رسوله صلى الله عليه وسلم - الفلج والنصر حتى أتيناكم ، وإنا والله نرى لكم ملكا وعيشا لا نرجع إلى ذلك الشقاء أبدا ، حتى نغلبكم على ما في أيديكم ، أو نقتل في أرضكم ، فقال : أما الأعور ، فقد صدقكم الذي في نفسه ، فقمت من عنده ، وقد والله أرعبت العلج جهدي .

فأرسل إلينا العلج : إما أن تعبروا إلينا بنهاوند ، وإما أن نعبر إليكم ، فقال النعمان : اعبروا ، فعبرنا قال أبي : فلم أر كاليوم قط ، إن العلوج يجيئون كأنهم جبال الحديد ، وقد تواثقوا أن لا يفروا من العرب ، وقد قرن بعضهم إلى بعض ، حتى كان سبعة في قران ، وألقوا حسك الحديد خلفهم ، وقالوا : من فر منا عقره حسك الحديد ، فقال المغيرة بن شعبة حين رأى كثرتهم : لم أر كاليوم فشلا ، إن عدونا يتركون أن يتتاموا ، فلا يعجلوا ، أما والله لو أن الأمر إلي لقد أعجلتهم به .

[ ص: 68 ] قال : وكان النعمان رجلا بكاء ، فقال : قد كان الله جل وعلا يشهدك أمثالها فلا يخزيك ولا يعري موقفك ، وإنه والله ما منعني أن أناجزهم إلا لشيء شهدته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذ غزا فلم يقاتل أول النهار لم يعجل حتى تحضر الصلوات وتهب الأرواح ، ويطيب القتال ، ثم قال النعمان : اللهم إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الإسلام وأهله وذل الكفر وأهله ، ثم اختم لي على إثر ذلك بالشهادة ، ثم قال : أمنوا يرحمكم الله ، فأمنا وبكى وبكينا .

ثم قال النعمان : إني هاز لوائي فتيسروا للسلاح ، ثم هازه الثانية ، فكونوا متيسرين لقتال عدوكم بإزائهم ، فإذا هززته الثالثة ، فليحمل كل قوم على من يليهم من عدوكم على بركة الله ، قال : فلما حضرت الصلاة وهبت الأرواح كبر وكبرنا ، وقال : ريح الفتح والله إن شاء الله ، وإني لأرجو أن يستجيب الله لي وأن يفتح علينا ، فهز اللواء فتيسروا ، ثم هزه الثانية ، ثم هزه الثالثة ، فحملنا جميعا كل قوم على من يليهم ، وقال النعمان : إن أنا أصبت فعلى الناس حذيفة بن اليمان ، فإن أصيب حذيفة ، ففلان ، فإن أصيب فلان ففلان ، [ ص: 69 ] حتى عد سبعة آخرهم المغيرة بن شعبة ، قال أبي : فوالله ما علمت من المسلمين أحدا يحب أن يرجع إلى أهله حتى يقتل أو يظفر وثبتوا لنا ، فلم نسمع إلا وقع الحديد على الحديد ، حتى أصيب في المسلمين مصابة عظيمة ، فلما رأوا صبرنا ، ورأونا لا نريد أن نرجع انهزموا ، فجعل يقع الرجل ، فيقع عليه سبعة في قران ، فيقتلون جميعا ، وجعل يعقرهم حسك الحديد خلفهم .

فقال النعمان : قدموا اللواء ، فجعلنا نقدم اللواء فنقتلهم ونضربهم ، فلما رأى النعمان أن الله قد استجاب له ورأى الفتح جاءته نشابة ، فأصابت خاصرته فقتلته ، فجاء أخوه معقل بن مقرن فسجى عليه ثوبا وأخذ اللواء فتقدم به ، ثم قال : تقدموا رحمكم الله ، فجعلنا نتقدم فنهزمهم ونقتلهم ، فلما فرغنا واجتمع الناس ، قالوا : أين الأمير ؟ فقال معقل : هذا أميركم ، قد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة ، فبايع الناس حذيفة بن اليمان .

قال : وكان عمر رضوان الله عليه بالمدينة يدعو الله ، وينتظر مثل صيحة الحبلى ، فكتب حذيفة إلى عمر بالفتح مع رجل من المسلمين ، فلما قدم عليه قال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح أعز الله فيه الإسلام وأهله ، وأذل فيه الشرك وأهله ، وقال : النعمان [ ص: 70 ] بعثك ؟ قال : احتسب النعمان يا أمير المؤمنين ، فبكى عمر واسترجع ، وقال : ومن ويحك ؟ فقال : فلان ، وفلان ، وفلان ، حتى عد ناسا ، ثم قال : وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم ، فقال : عمر رضوان الله عليه وهو يبكي : لا يضرهم أن لا يعرفهم عمر لكن الله يعرفهم
.

التالي السابق


الخدمات العلمية