صفحة جزء
[ ص: 31 ] [ ص: 32 ] [ ص: 33 ] ذكر وصف طول آدم حيث خلقه الله جل وعلا

6162 - أخبرنا ابن قتيبة حدثنا ابن أبي السري حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خلق الله آدم على صورته وطوله ستون ذراعا ، فلما خلقه قال : اذهب فسلم على أولئك النفر ، وهم من الملائكة جلوس ، فاستمع ما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك . قال : فذهب فقال : السلام عليكم ، فزادوه : ورحمة الله . قال : فكل من يدخل الجنة على صورة آدم طوله ستون ذراعا . فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن .

قال أبو حاتم : هذا الخبر تعلق به من لم يحكم صناعة العلم ، وأخذ يشنع على أهل الحديث الذين ينتحلون السنن ، [ ص: 34 ] ويذبون عنها ، ويقمعون من خالفها بأن قال : ليست تخلو هذه الهاء من أن تنسب إلى الله أو إلى آدم ، فإن نسبت إلى الله كان ذلك كفرا ، إذ ليس كمثله شيء ، وإن نسبت إلى آدم تعرى الخبر عن الفائدة ، لأنه لا شك أن كل شيء خلق على صورته لا على صورة غيره .

ولو تملق قائل هذا إلى بارئه في الخلوة ، وسأله التوفيق لإصابة الحق والهداية للطريق المستقيم في لزوم سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم لكان أولى به من القدح في منتحلي السنن بما يجهل معناه ، وليس جهل الإنسان بالشيء دالا على نفي الحق عنه لجهله به .

ونحن نقول : إن أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم إذا صحت من جهة النقل لا تتضاد ، ولا تتهاتر ، ولا تنسخ القرآن بل لكل خبر معنى معلوم يعلم ، وفصل صحيح يعقل ، يعقله العالمون .

فمعنى الخبر عندنا بقوله صلى الله عليه وسلم : خلق الله آدم على صورته : إبانة فضل آدم على سائر الخلق ، والهاء راجعة إلى آدم ، والفائدة من رجوع الهاء إلى آدم دون إضافتها إلى البارئ جل وعلا - جل ربنا وتعالى عن أن يشبه بشيء من المخلوقين - أنه جل وعلا جعل سبب الخلق الذي هو المتحرك النامي بذاته اجتماع الذكر والأنثى ، ثم زوال الماء عن قرار الذكر إلى رحم الأنثى ، ثم تغير ذلك إلى [ ص: 35 ] العلقة بعد مدة ، ثم إلى المضغة ، ثم إلى الصورة ، ثم إلى الوقت الممدود فيه ، ثم الخروج من قراره ، ثم الرضاع ، ثم الفطام ، ثم المراتب الأخر على حسب ما ذكرنا إلى حلول المنية به . هذا وصف المتحرك النامي بذاته من خلقه ، وخلق الله جل وعلا آدم على صورته التي خلقه عليها ، وطوله ستون ذراعا من غير أن تكون تقدمة اجتماع الذكر والأنثى ، أو زوال الماء ، أو قراره ، أو تغيير الماء علقة أو مضغة ، أو تجسيمه بعده ، فأبان الله بهذا فضله على سائر من ذكرنا من خلقه ، بأنه لم يكن نطفة فعلقة ، ولا علقة فمضغة ، ولا مضغة فرضيعا ، ولا رضيعا ففطيما ، ولا فطيما فشابا ، كما كانت هذه حالة غيره ، ضد قول من زعم أن أصحاب الحديث حشوية يروون ما لا يعقلون ويحتجون بما لا يدرون .

التالي السابق


الخدمات العلمية