صفحة جزء
ذكر وصف دعاء سعد بن معاذ لما فرغ من قتل بني قريظة

7028 - أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن عمرو عن أبيه عن جده عن عائشة ، قالت : خرجت يوم الخندق أقفو أثر الناس ، فسمعت وئيد الأرض من ورائي ، فالتفت فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه ، فجلست إلى [ ص: 499 ] الأرض ، فمر سعد وعليه درع قد خرجت منها أطرافه ، فأنا أتخوف على أطراف سعد ، وكان من أعظم الناس وأطولهم ، قالت : فمر وهو يرتجز ويقول :


لبث قليلا يدرك الهيجا حمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل



قالت : فقمت فاقتحمت حديقة ، فإذا فيها نفر من المسلمين فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال عمر : ويحك ما جاء بك لعمري والله إنك لجريئة ، ما يؤمنك أن يكون تحوز أو بلاء ، قالت : فما زال يلومني حتى تمنيت أن الأرض قد انشقت فدخلت فيها ، وفيهم رجل عليه نصيفة له ، فرفع الرجل النصيف عن وجهه ، فإذا طلحة بن عبيد الله ، فقال : ويحك يا عمر ، إنك قد أكثرت منذ اليوم ، وأين الفرار إلا إلى الله ؟

قالت : ورمى سعدا رجل من المشركين يقال له : ابن العرقة ، بسهم قال : خذها وأنا ابن العرقة فأصاب أكحله فقطعها ، فقال : اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة ، وكانوا حلفاءه ومواليه في الجاهلية ، فبرأ كلمه ، وبعث الله الريح على المشركين ، فكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قويا عزيزا ، فلحق أبو سفيان بتهامة ، ولحق عيينة ومن معه بنجد ، ورجعت بنو قريظة ، فتحصنوا [ ص: 500 ] بصياصيهم ، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد ووضع السلاح ، قالت : فأتاه جبريل ، فقال : أوقد وضعت السلاح ، فوالله ما وضعت الملائكة السلاح ، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرحيل ، ولبس لأمته ، فخرج فمر على بني غنم وكانوا جيران المسجد ، فقال : من مر بكم ؟ قالوا : مر بنا دحية الكلبي ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسا وعشرين يوما ، فلما اشتد حصرهم ، واشتد البلاء عليهم قيل لهم : انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستشاروا أبا لبابة ، فأشار إليهم أنه الذبح ، فقالوا : ننزل على حكم سعد بن معاذ ، فنزلوا على حكم سعد ، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد ، فحمل على حمار وعليه إكاف من ليف وحف به قومه ، فجعلوا يقولون : يا أبا عمرو ، حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت ، فلا يرجع إليهم قولا ، حتى إذا دنا من ذراريهم التفت إلى قومه ، فقال : قد آن لسعد أن لا يبالي في الله لومة لائم ، فلما طلع على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا إلى سيدكم فأنزلوه ، قال عمر : سيدنا الله ، قال : أنزلوه ، فأنزلوه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : احكم فيهم ، قال : فإني أحكم فيهم أن تقتل مقاتلتهم ، وتسبى ذراريهم ، وتقسم أموالهم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد حكمت فيهم بحكم الله ورسوله .

[ ص: 501 ] ثم دعا الله سعد ، فقال : اللهم إن كنت أبقيت على نبيك صلى الله عليه وسلم من حرب قريش شيئا ، فأبقني لها ، وإن كنت قطعت بينه وبينهم ، فاقبضني إليك ، فانفجر كلمه ، وكان قد برأ منه حتى ما بقي منه إلا مثل الحمص ، قالت : فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجع سعد إلى بيته الذي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ، قالت : فوالذي نفسي بيده ، إني لأعرف بكاء أبي بكر من بكاء عمر وأنا في حجرتي ، وكانوا كما قال الله :
رحماء بينهم قال علقمة : فقلت أي أمه ، فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ؟ قالت : كان عيناه لا تدمع على أحد ، ولكنه إذا وجد إنما هو آخذ بلحيته
.

التالي السابق


الخدمات العلمية