صفحة جزء
[ ص: 13 ] ذكر إنزال الله جل وعلا الآي في براءة عائشة رضي الله عنها عما قذفت به

7099 - أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى ، والحسن بن سفيان ، وعدة ، قالوا : حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا فليح بن سليمان عن ابن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير ، وسعيد بن المسيب ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله ، [ ص: 14 ] عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله منه .

قال الزهري : وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم أوعى من بعض ، وأثبت له اقتصاصا ، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة ، وبعض حديثهم يصدق بعضا .

زعموا أن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، فأقرع بيننا في غزاة غزاها ، فخرج سهمي ، فخرجت معه بعدما أنزل الحجاب ، وأنا أحمل في هودجي ، وأنزل فيه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك ، قفل ، ودنونا من المدينة ، فآذن ليلة بالرحيل ، فقمت فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري ، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه ، فأقبل الذين يرحلون بي ، فاحتملوا هودجي ، فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ، ولم يغشهن اللحم ، وإنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج ، فاحتملوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منزلهم وليس فيه أحد ، فأقمت منزلي الذي كنت [ ص: 15 ] به ، وظننت أنهم سيفقدوني ، فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت .

وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي والله ما تكلمت بكلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته ، فوطئ يدها ، فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك .

وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول ، فقدمنا المدينة ، فاشتكيت بها شهرا ، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ويريبني في وجعي أني لا أرى من النبي صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أمرض ، إنما يدخل فيسلم ثم يقول : كيف تيكم ؟ ولا أشعر بشيء من ذلك حتى نقهت ، فخرجت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم قبل المناصع ، وكان متبرزنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في البرية أو في التبرز ، فأقبلت أنا وأم [ ص: 16 ] مسطح بنت أبي رهم نمشي ، فعثرت في مرطها ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ فقالت : يا هنتاه ، ألم تسمعي ما قالوا ؟ فأخبرتني بما يقول أهل الإفك ، فازددت مرضا على مرض .

فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : كيف تيكم ؟ فقلت : ائذن لي آتي أبوي ، قالت : وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيت أبوي ، فقلت لأمي ما يتحدث به الناس ، فقالت : يا بنية ، هوني على نفسك الشأن ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها ، فقلت : سبحان الله ! لقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : نعم ، فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم .

ثم أصبحت ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ، وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله ، فأما أسامة ، فأشار عليه بالذي يعلم في نفسه من الود لهم ، فقال : أهلك يا رسول الله ، ولا نعلم والله إلا خيرا ، وأما علي ، فقال : يا رسول الله ، لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وسل الجارية تصدقك ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ، فقال : يا بريرة هل رأيت فيها شيئا ما يريبك ؟ فقالت : لا ، والذي بعثك بالحق إن رأيت منها [ ص: 17 ] أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن العجين ، فتأتي الداجن فتأكله .

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه ، فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول ، فقال : من يعذرني من رجل بلغ أذاه في أهلي ، ووالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي ، فقام سعد بن معاذ ، فقال : يا رسول الله ، وأنا والله أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك ، فقام سعد بن عبادة ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية ، فقال : كذبت لعمر الله ، لا تقتله ولا تقدر على ذلك ، فقام أسيد بن حضير ، فقال : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ، فجعل يخفضهم حتى سكتوا .

ومكثت يومي لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، فأصبح عندي أبواي وقد بكيت ليلتي ويومي ، حتى أظن أن البكاء فالق كبدي ، قالت : فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار ، فأذنت لها فجلست تبكي معي ، فبينا نحن كذلك إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس ولم يجلس عندي من يوم قيل لي ما قيل قبلها ، وقد مكث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء ، قالت : [ ص: 18 ] فتشهد ، ثم قال : يا عائشة أما بعد ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت ، فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه بقطرة ، وقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال ، قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن ، فقلت : إي والله لقد علمت أنكم سمعتم ما تحدث الناس ، ووقر في أنفسكم وصدقتم به ، ولئن قلت لكم إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدقوني بذلك ، وإن اعترفت لكم بأمر - والله يعلم أني بريئة - لتصدقني ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا أبا يوسف إذ قال :
فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحولت على فراشي وأنا أرجو أن يبرئني الله ، ولكن والله ما ظننت أن ينزل في شأني وحي ، ولأنا أحقر في نفسي من أن يتكلم بالقرآن في أمري ، ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا تبرئني .

فوالله ما رام في مجلسه ، ولا خرج أحد من البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان من العرق في يوم شات ، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 19 ] وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال : يا عائشة ، احمدي الله فقد برأك الله ، فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : لا والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله ، فأنزل الله تعالى : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم الآيات ، فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وكان ينفق على مسطح لقرابته منه : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعدما قال لعائشة ، فأنزل الله : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة إلى قوله : والله غفور رحيم فقال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح بالذي كان يجري عليه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري فقالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ، وكانت تساميني ، فعصمها الله بالورع
.

التالي السابق


الخدمات العلمية