المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1059 (81) باب

فضل انتظار الصلاة في المسجد

[ 548 ] عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته في بيته وصلاته في سوقه بضعا وعشرين درجة ، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد لا ينهزه إلا الصلاة لا يريد إلا الصلاة ، فلم يخط خطوة إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة ، حتى يدخل المسجد ، فإذا دخل المسجد كان في الصلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه ، والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه ، يقولون : اللهم ارحمه ، اللهم اغفر له ، اللهم تب عليه - ما لم يؤذ فيه ، ما لم يحدث فيه .

قيل لأبي هريرة : ما يحدث ؟ قال : يفسو ويضرط .

رواه أحمد (2 \ 252 و 475)، والبخاري (647)، ومسلم (649) في المساجد (272)، وأبو داود (559)، والترمذي (603)، وابن ماجه (876) .


[ ص: 289 ] (81) ومن باب : فضل انتظار الصلاة

قوله " لا ينهزه إلا الصلاة " ; أي لا يحركه إلا إرادة الصلاة ، ومنه : انتهز الفرصة ; أي : تحرك إليها وحصلها .

وقوله “ ما لم يحدث فيه " قد فسره أبو هريرة بما ذكر في الأصل ، وهو منه تمسك بالعرف الشرعي ، وقد فسره غيره بأنه الحدث الذي يصرفه عن إحضار فضل انتظار الصلاة ، ويحمله على الإعراض عن ذلك ، سواء كان مسوغا أو غير مسوغ ، وهو تمسك بأصل اللغة ، حمله بعضهم على إحداث مأثم ، والله أعلم ، وقد تقدم الكلام في البضع .

وهذا الحديث يفهم منه أن فضل الجماعة لم يكن لأجل الجماعة فقط ، بل لما يلازمها من الأحوال كقصد الجماعة ونقل الخطا وانتظار الصلاة وصلاة الملائكة عليه وغير ذلك ، ويعتضد بهذا الحديث مالك لمذهبه في قوله : [ ص: 290 ] لا تفضل جماعة جماعة لاشتراكهم في تلك الأمور .

وقوله “ فلم يخط خطوة " بضم الخاء - الرواية - وهي واحدة الخطا ، وهي ما بين القدمين ، فأما الخطوة - بفتح الخاء - فهي المصدر واحدة الخطو ، فالضم للاسم والفتح للمصدر .

وقوله “ ما لم يؤذ فيه " ; أي ما لم يصدر عنه ما يتأذى به بنو آدم والملائكة ، قلت : ويحتمل قوله " ما لم يحدث فيه " أن يكون بدلا من قوله " ما لم يؤذ فيه " .

وقوله “ إلا رفع له بها درجة وحط عنه بها خطيئة " ، قال الداودي : إن كانت له ذنوب حطت عنه ، وإلا رفعت له درجات . قلت : وهذا يقتضي أن الحاصل بالخطوة درجة واحدة ، إما الحط وإما الرفع . وقال غيره : بل الحاصل بالخطوة الواحدة ثلاثة أشياء ; لقوله في الحديث الآخر : كتب الله له بكل خطوة حسنة ، ويرفعه بها درجة ، ويحط بها عنه سيئة - والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية