المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
92 (22) باب

إثم من كفر مسلما أو كفر حقه

[ 50 ] عن ابن عمر ; قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيما امرئ قال لأخيه : كافر ، فقد باء بها أحدهما ، إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه .


[ ص: 252 ] (22) ومن باب إثم من كفر مسلما أو كفر حقه

كفر الأول - مشددا - ومعناه : نسبه إلى الكفر ، وحكم عليه به ، وكفر الثاني - مخفف - بمعنى : جحد حقه ، ولم يقم به .

و (قوله - عليه الصلاة والسلام - : " أيما امرئ قال لأخيه : كافر ") صواب تقييده : كافر بالتنوين ، على أن يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي : أنت كافر ، أو هو كافر . وربما قيده بعضهم : كافر بغير تنوين ; فجعله منادى مفردا محذوف حرف النداء . وهذا خطأ ; إذ لا يحذف حرف النداء مع النكرات ولا مع المبهمات ، إلا فيما جرى مجرى المثل ; في نحو قولهم : أطرق كرا ، وافتد مخنوق ، وفي حديث موسى : " ثوبي حجر ، ثوبي حجر " ، وهو قليل . وأصل الكفر : التغطية والستر ; ومنه سمي الزارع : كافرا ; ومنه قوله تعالى : أعجب الكفار نباته [ الحديد : 20 ] أي : الزراع ، ومنه قول الشاعر :

[ ص: 253 ]

. . . . . . . . . . في ليلة كفر النجوم غمامها

أي : ستر وغطى ، والغمام : السحاب .

وأما الكفر الواقع في الشرع ، فهو جحد المعلوم منه ضرورة شرعية ، وهذا هو الذي جرى به العرف الشرعي ، وقد جاء فيه الكفر بمعنى جحد المنعم ، وترك الشكر على النعم ، وترك القيام بالحقوق ; ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام - للنساء : يكفرن الإحسان ، ويكفرن العشير ، أي : يجحدن حقوق الأزواج وإحسانهم ; ومن هاهنا صح أن يقال : كفر دون كفر ، وظلم دون ظلم ، وسيأتي لهذا مزيد بيان .

و (قوله : " فقد باء بها أحدهما ") أي : رجع بإثمها ، ولازم ذلك ; قال الهروي : وأصل البوء : اللزوم ; ومنه : أبوء بنعمتك علي ، أي : أقر بها وألزمها نفسي ، وقال غيره من أهل اللغة : إن باء في اللغة : رجع بشر .

والهاء في " بها " راجع إلى التكفيرة الواحدة التي هي أقل ما يدل عليها لفظ كافر .

ويحتمل أن يعود إلى الكلمة ، ونعني بهذا أن المقول له كافر إن كان كافرا كفرا شرعيا ، فقد صدق القائل له ذلك ، وذهب بها المقول له ، وإن لم يكن كذلك ، رجعت للقائل معرة ذلك [ ص: 254 ] القول وإثمه .

وأحدهما هنا يعني به : المقول له على كل وجه ; لقوله : إن كان كما قال ، وأما القائل ، فهو المعني بقوله : وإلا رجعت عليه . وبيانه بما في حديث أبي ذر الذي قال فيه : من دعا رجلا بالكفر ، أو قال : عدو الله وليس كذلك ، إلا حار عليه ، أي : على القائل . وحار : رجع ، ويعني بذلك وزر ذلك وإثمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية