المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1120 (91) باب

قصر الصلاة بمنى

[ 575 ] عن ابن عمر قال : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى ركعتين ، وأبو بكر بعده ، وعمر بعد أبي بكر ، وعثمان صدرا من خلافته ، ثم إن عثمان صلى بعد أربعا ، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا وإذا صلاها وحده صلى ركعتين .

وفي رواية مكان " صدرا من خلافته " : ثماني سنين - أو قال : ست سنين .

رواه البخاري (1082)، ومسلم (694) (17)، والنسائي (3 \ 121) .


(91) ومن باب : قصر الصلاة بمنى

فيه حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بمنى ركعتين ، وأبو بكر وعمر ، وعثمان صدرا من خلافته ; لا خلاف أن هذا حكم الحاج من غير أهل مكة وعرفة [ ص: 335 ] بمنى يقصرون ، وعند مالك أن حكم الحاج من أهل مكة أنهم يقصرون بمنى وعرفات ، وكذلك أهل عرفة بمنى ومكة يقصرون ، وخالفه في ذلك أبو حنيفة والشافعي وجماعة فقالوا إنهم يتمون ; إذ ليس في المسافة مسافة قصر ، وحجة مالك التمسك بظاهر حديث ابن عمر المذكور واتباع العمل العام في ذلك ، ولأن تكرار الحاج في مشاعره ومناسكه مقدار المسافة التي تقصر فيها الصلاة ، والله تعالى أعلم .

فأما أهل تلك المواضع فلا خلاف أحسبه في أن كل واحد منهم يتم في موضعه وإن شرع في عمل الحج لأنهم في أهلهم ، وقد ذكرنا ما تؤول به إتمام عثمان .

وقوله " ست سنين أو ثماني سنين " ، الصحيح سبع سنين ، قال عمران بن حصين : حججت مع عثمان سبعا من إمارته لا يصلي إلا ركعتين ، ثم صلى بمنى أربعا .

وقوله " فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا ، وإذا صلى وحده صلى ركعتين " ; يعني بالإمام عثمان لما أتم ، فإن ابن عمر وابن مسعود كانا يصليان معه ويتمان مع اعتقادهما أن القصر أولى وأفضل ، لكنهما اتبعاه لأن [ ص: 336 ] الإتمام جائز ، ومخالفة الإمام فيما رآه مما يسوغ ممنوعة . ويحتمل أن يريد بالإمام هنا أي إمام اتفق من أئمة المسلمين ، ويعني به أن ابن عمر كان إذا صلى خلف مقيم أتم تغليبا لفضيلة الجماعة وبحكم الموافقة فيما يجوز أصله .

وقد اختلف في مسافر صلى خلف مقيم ، وهذا الخلاف يتنزل على الخلاف المتقدم في حكم القصر ، فقياس من قال إن القصر فرض أن لا تجزئه صلاته ، وحكاه القاضي أبو محمد عن بعض المتأخرين من أصحابنا . وقال غير هؤلاء : يقتدي به في الركعتين خاصة ، ثم هل يسلم ويتركه أو ينتظره ويسلم معه ؟ قولان .

ومن قال بأن القصر سنة من أصحابنا اختلفوا ; فروى ابن الماجشون وأشهب أنه يتم ثم يعيد في الوقت ، إلا أن يكون في أحد مسجدي الحرمين أو مساجد الأمصار الكبار ، وروى مطرف أن لا إعادة ، ورواه ابن القاسم .

قلت : وقياس من قال بالتخيير أن لا إعادة أصلا ; بل القصر والإتمام في حقه سيان يفعل أيهما شاء ، إلا أن الأولى به أن لا يخالف الإمام ، فإذا صلى خلف مقيم اتبعه من جهة منع المخالفة لا من جهة التخيير ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية