المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1127 [ 578 ] وعن جابر قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فمطرنا ، فقال : ليصل من شاء منكم في رحله .

رواه مسلم (698)، وأبو داود (1065)، والترمذي (409) .


(92) ومن باب : جواز التخلف عن الجماعة لعذر المطر

قوله : نادى ; أي : أذن ، وظاهر قوله : في آخر ندائه أنه قال ذلك بعد فراغه من الأذان ، ويحتمل أن يكون في آخره قبل الفراغ ، ويكون هذا مثل حديث ابن عباس ; حيث قال لمؤذنه : إذا قلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن [ ص: 338 ] محمدا رسول الله ; فلا تقل : حي على الصلاة ، قل : صلوا في رحالكم . وقد استدل بهذين الحديثين من أجاز الكلام في الأذان ، وهم : أحمد والحسن وعروة وعطاء وقتادة ، وعبد العزيز بن أبي سلمة وابن أبي حازم من المالكية ، ولا حجة لهم في ذلك ; لأن الحديث الأول إن لم يكن ظاهرا فيما ذكرناه ، فلا أقل من أن يكون محمولا ، على أن هذا الحديث قد رواه أبو أحمد بن عدي من حديث أبي هريرة ; قال فيه : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أمر المؤذن فأذن بالأذان الأول ، فإذا فرغ نادى : الصلاة في الرحال - أو : في رحالكم - ، وهذا نص يرفع ذلك الاحتمال .

والحديث الثاني لم يسلك به مسلك الأذان ، ألا تراه قال : لا تقل حي على [ ص: 339 ] الصلاة ؟ وإنما أراد إشعار الناس بالتخفيف عنهم للعذر ، كما فعل في التثويب للأمراء . وقد كره الكلام في الأذان مالك والشافعي وأبو حنيفة ، وعامة الفقهاء .

وظاهر هذين الحديثين : جواز التخلف عن الجماعة والجمعة للمشقة اللاحقة من المطر والريح والبرد ، وما في معنى ذلك من المشاق المحرجة في الحضر والسفر ، وهذا في غير الجمعة قريب ; إذ ليس غيرها بواجب على أصولنا ، وأما في الجمعة ففيه إشكال ، وقد اختلف الناس في جواز التخلف عنها لعذر المطر والوحل ، فذهب أحمد بن حنبل إلى جواز التخلف عنها للمطر الوابل ، وبمثله قال مالك في المطر الشديد والوحل في أحد القولين عنه ، وروي عنه أنه لا يجوز ، وحديث ابن عباس حجة واضحة على الجواز .

فرع : وعلى القول بالجواز عن مالك ، تترك لعذر تمريض المشرف على الهلاك القريب ، والزوجة ، والمملوك . وقال ابن القاسم : ولجنازة أخ من إخوانه ينظر في أمره . وقال ابن حبيب : ولغسل ميت عنده .

التالي السابق


الخدمات العلمية