المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1142 (94) باب

الجمع بين الصلاتين في السفر والحضر

[ 583 ] عن ابن عمر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا عجل به السير ، جمع بين المغرب والعشاء .

وفي رواية قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أعجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب ، حتى يجمع بينها وبين صلاة العشاء .

رواه أحمد (2 \ 7 و 51)، والبخاري (1092)، ومسلم (703) (42)، وأبو داود (1207 - 1217)، والترمذي (555)، والنسائي (1 \ 287 و 289) .


[ ص: 343 ] (94) ومن باب : الجمع بين الصلاتين

المراد في هذا الباب من الجمع : إنما هو إخراج إحدى الصلاتين المشتركتين عن وقت جوازها ، وإيقاعها في وقت الأخرى مضمومة إليها ، وهو إنما يكون في الصلوات المشتركة الأوقات ، وهي : الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، ولا يكون في غيرها بإجماع ، ثم الجمع : متفق عليه ، ومختلف فيه :

فالأول : هو الجمع بعرفة والمزدلفة ، والمختلف فيه : هو الجمع في السفر ، والمطر ، والمرض . فأما الجمع في السفر فإليه ذهب جماعة السلف وفقهاء المحدثين والشافعي ، وهو مشهور مذهب مالك ، وهل ذلك لمجرد السفر ؟ أو لا بد معه من جد السير ؟ قولان . بالأول قال جمهور السلف وعلماء الحجاز وفقهاء المحدثين وأهل الظاهر . وبالثاني قال مالك والليث والثوري والأوزاعي ، وأبى أبو حنيفة وحده الجمع للمسافر ، وكرهه الحسن وابن سيرين ، وروي عن مالك كراهيته ، وروي عنه أنه كرهه للرجال دون النساء .

[ ص: 344 ] وأحاديث ابن عمر وأنس ومعاذ المذكورة في هذا الباب حجة على أبي حنيفة . لكن أبو حنيفة تأولها على أن الصلاة الأولى وقعت في آخر وقتها ، والثانية وقعت في أول وقتها ، وهذا يجوز باتفاق .

وقد جاء في حديث معاذ في كتاب أبي داود : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا ، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ، ثم سار . وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء ، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب ، وهذا حجة ظاهرة للجمهور في الرد على أبي حنيفة . وأما الجمع لعذر المطر : فقال به مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وجمهور السلف : بين المغرب والعشاء ، وأما بين الظهر والعصر : فقال بالجمع بينهما في المطر الوابل : الشافعي وأبو ثور والطبري وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الظاهر والليث : من الجمع في صلاتي الليل والنهار . وأما الجمع لعذر المرض فقال به مالك : إذا خاف الإغماء على عقله ، وأبى ابن نافع الجمع لذلك ، وقال : لا يجمع قبل الوقت ، فمن أغمي عليه حتى ذهب وقته لم يجب عليه قضاؤه ، ومنعه أيضا أشهب والشافعي .

وذهب كافة العلماء إلى منع الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر إلا شذوذا ; منهم من السلف : ابن سيرين ، ومن أصحابنا أشهب ; فأجاز ذلك للحاجة ما لم تتخذ عادة ، ونحوه لعبد الملك في الظهر والعصر . وحجتهم في ذلك حديث ابن عباس .

وقوله في حديث أنس وابن عمر : إذا عجل به السير : حجة ظاهرة لمشترط [ ص: 345 ] جد السير في الجمع ، ولا تعارض هذه الأحاديث التي لم يذكر فيها ذلك ; لأن الحجة في المنقول لا في المسكوت عنه ، ويتعين حمل المطلق منهما على المقيد هنا لاتحاد الموجب والموجب ، وهو موضع اتفاق الأصوليين في حمل المطلق على المقيد . وإنما خص ابن عمر صلاة المغرب والعشاء بالذكر ، ولم يذكر العصر ; لوقوع الجمع له بين المغرب والعشاء ، وهو الذي سأله عنه نافع ، فأجاب عما سئل عنه حين استصرخ على امرأته صفية بنت أبي عبيد ، فاستعجل بالجمع بين المغرب والعشاء ، وسئل فأجاب بما ذكر .

التالي السابق


الخدمات العلمية