المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
93 [ 51 ] وعن أبي ذر ; أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ليس من رجل ادعى لغير أبيه - وهو يعلمه - إلا كفر ، ومن ادعى ما ليس له ، فليس منا ، وليتبوأ مقعده من النار ، ومن دعا رجلا بالكفر ، أو قال : عدو الله وليس كذلك ، إلا حار عليه .

رواه أحمد ( 5 \ 166 ) ، والبخاري ( 3508 ) ، ومسلم ( 61 ) .


و (قوله : " ليس من رجل ادعى لغير أبيه ، وهو يعلمه ، إلا كفر ") أي : انتسب لغير أبيه رغبة عنه مع علمه به . وهذا إنما يفعله أهل الجفاء والجهل والكبر ; لخسة منصب الأب ودناءته ; فيرى الانتساب إليه عارا ونقصا في حقه . ولا شك في أن هذا محرم معلوم التحريم ، فمن فعل ذلك مستحلا ، فهو كافر حقيقة ، فيبقى الحديث على ظاهره .

وأما إن كان غير مستحل ، فيكون الكفر الذي في الحديث محمولا على كفران النعم والحقوق ; فإنه قابل الإحسان بالإساءة ، ومن كان كذلك ، صدق عليه اسم الكافر ، وعلى فعله أنه كفر ; لغة وشرعا على ما قررناه ، ويحتمل أن يقال : أطلق عليه ذلك ; لأنه تشبه بالكفار أهل الجاهلية ، أهل الكبر والأنفة ; فإنهم كانوا يفعلون ذلك ، والله تعالى أعلم .

و (قوله : " من ادعى ما ليس له ، فليس منا ") ظاهره : التبري المطلق ، فيبقى على ظاهره في حق المستحل لذلك ; على ما تقدم . ويتأول في حق غير المستحل بأنه ليس على طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولا على طريقة أهل دينه ; فإن ذلك ظلم ، وطريقة أهل الدين : العدل ، وترك الظلم ، ويكون هذا كما قال : ليس منا من ضرب الخدود ، وشق الجيوب ، ويقرب منه : من لم يأخذ من شاربه ، فليس منا .

التالي السابق


الخدمات العلمية