المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1167 [ 596 ] وعن أبي قتادة - صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - - قال : دخلت المسجد ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس بين ظهراني الناس . قال : فجلست - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما منعك أن تركع ركعتين قبل أن تجلس ؟ قال : فقلت : يا رسول الله ! رأيتك جالسا والناس جلوس ، قال : فإذا دخل أحدكم المسجد ، فلا يجلس حتى يركع ركعتين .

رواه أحمد (5 \ 305 و 311)، والبخاري (444)، ومسلم (714) (70)، وأبو داود (467 و 468)، والترمذي (316)، والنسائي (2 \ 53)، وابن ماجه (1013) .


[ ص: 352 ] (97) ومن باب : ما يفعل عند دخول المسجد

قوله : إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس : عامة العلماء على أن هذا الأمر على الندب والترغيب ، وقد ذهب داود وأصحابه إلى أن ذلك على الوجوب ، وهذا باطل ، ولو كان الأمر على ما قالوه لحرم دخول المسجد على المحدث الحدث الأصغر حتى يتوضأ ، ولا قائل به ، وإنما الخلاف [ ص: 353 ] في دخول الجنب ، فإذا جاز دخول المسجد على غير وضوء لزم منه أنه لا يجب عليه تحيته عند دخوله ; إذ لو كان ذلك للزمه أن يتوضأ عند إرادة الدخول ، فإن قيل : الخطاب بالتحية لمن كان متوضئا ، قلنا : هذا تحكم ، وعدول عن الظاهر بغير دليل ; فإنه متوجه لداخل المسجد فيلزم ما ذكرناه . وقد عدها بعض أصحابنا في السنن . ثم هل يحيي المسجد في أي الأوقات دخله ؟ أو لا يحييه في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها ؟ قولان : الأول لبعض أهل الظاهر ، والثاني للجمهور . فلا يحيي المسجد عندهم بعد الصبح حتى تطلع الشمس ، ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس ، غير أن الشافعي منع منها حالة الطلوع وحالة الغروب ، وأجازها فيما قبل ذلك ، بناء منه على أن أصله في أن كل صلاة يتعين فعلها بحسب سببها فجائز فعلها ما لم تطلع الشمس وما لم تغرب ، وسيأتي الكلام على هذا الأصل . وسبب الخلاف في تلك المسألة : اختلاف ظواهر الأحاديث ; إذ تعليق الأمر بالتحية على الدخول يقتضي فعلها متى دخل المسجد ، وعموم قوله - عليه الصلاة والسلام - لا صلاة بعد العصر وبعد الصبح يقتضي ألا تفعل . وكذلك اختلفوا في تحية المسجد بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح ، فقال بجواز ذلك الشافعي وأحمد وداود . وقال بالمنع أبو حنيفة والليث والأوزاعي . واختلف عن مالك فيمن ركع ركعتي الفجر في بيته : هل يحيي المسجد أو لا يحييه ؟ قولان عنه . وهذا الخلاف فيمن أراد الجلوس في المسجد ، فأما العابر فخفف فيه أكثرهم ، وهو قول مالك ، ومنهم من أمره به ، وهو قياس مذهب أهل الظاهر . واختلف قول مالك في تحية المسجد إذا صليت العيد فيه ، ورأى في مسجد مكة تقديم الطواف على التحية ، وفي مسجد المدينة تقديم التحية [ ص: 354 ] على السلام على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد وسع في ذلك أيضا . وقال بعض أصحاب مالك : إن من تكرر عليه الدخول في المسجد تسقط عنه تحيته ; كمن كثر تردده إلى مكة من الحطابين وغيرهم ، وكسقوط السجود عمن كثرت تلاوته من القرآن ، وسقوط الوضوء لمس المصحف للمتعلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية