المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1233 [ 628 ] وعن سعد بن هشام قال : انطلقت أنا وحكيم بن أفلح إلى عائشة ، فاستأذنا عليها ، فأذنت لنا ، فدخلنا عليها ، فقالت : أحكيم ؟ (فعرفته) فقال : نعم . فقالت : من معك ؟ قال : سعد بن هشام ، قالت : من هشام ؟ قال : ابن عامر ، فترحمت عليه وقالت خيرا (قال قتادة : وكان أصيب يوم أحد) فقلت : يا أم المؤمنين ، أنبئيني عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : ألست تقرأ القرآن ؟ قلت : بلى . قالت : فإن خلق نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان القرآن . قال : فهممت أن أقوم ، ولا أسأل أحدا عن شيء حتى أموت ، ثم بدا لي فقلت : أنبئيني عن قيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : ألست تقرأ : يا أيها المزمل قلت : بلى . قالت : فإن الله (عز وجل) افترض قيام الليل في أول هذه السورة ، فقام نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه حولا ، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السماء ، حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف ، فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة ، قال : فقلت : يا أم المؤمنين ، أنبئيني عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت : كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل ، فيتسوك ويتوضأ ، ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة ، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم ينهض ولا يسلم ، ثم يقوم فيصلي التاسعة ، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم يسلم تسليما يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد ، فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني . فلما أسن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذه اللحم أوتر بسبع ، وصنع في الركعتين مثل صنيعه في الأول ، فتلك تسع يا بني . وكان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها . وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة ، ولا أعلم نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ القرآن كله في ليلة ، ولا صلى ليلة إلى الصبح ، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان .

رواه مسلم (746) (139)، وأبو داود (1342 - 1352)، والنسائي (3 \ 199) .


[ ص: 378 ] وقول عائشة : كان خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن ; أي : كان يتخلق بما فيه من محمود الأوصاف ، ويجتنب ما فيه من ممنوعها ، ويحتمل أن تريد بقولها : القرآن : الآيات التي اقتضت الثناء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; كقوله تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم [ القلم :4 ] وكقوله تعالى : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي [ الأعراف : 157 ] إلى آخرها ، وما في معنى ذلك ، والله أعلم .

وكون سعد هم أن لا يسأل أحدا عن شيء حتى يموت ; إنما كان ذلك منه استقصارا لفهمه ; إذ لم يفهم ذلك من القرآن مع وضوح ذلك المعنى فيه ، وإنهاضا لهمته للبحث عن معاني القرآن ، واكتفاء بذلك عن سؤال أحد من أهل العلم .

وقول عائشة : إن الله فرض قيام الليل . . . إلى قولها : فصار قيام الليل تطوعا : ظاهر قولها هذا يدل على أنه كان فرضا عليه وعلى الناس . قال مكي : وهو قول كافة أهل العلم . وقيل : إنه لم يكن فرضا عليه ولا عليهم ، حكاه الأبهري عن [ ص: 379 ] بعضهم ، قال لقوله : نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه [ المزمل : 3 - 4 ] وليس هذا ضرب الفروض ، وإنما هو ندب . وقيل : كان فرضا على النبي - صلى الله عليه وسلم - وحده ، مندوبا لغيره ، وكأن هذا مأخوذ من مواجهة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : يا أيها المزمل [ المزمل : 1] فخص بالخطاب ، وبما روي عن ابن عباس مرفوعا : ثلاث علي فريضة ، ولكم تطوع : الوتر ، والضحى ، وركعتا الفجر . وهو ضعيف . والصحيح ما نقلته عائشة .

وقولها : إن النسخ كان بعد حول : خولفت في ذلك ، وقيل : بعد عشر سنين ، قال عياض : وهو الظاهر ; لأن السورة مكية ، ومن أول ما نزل من القرآن ، إلا الآيتين آخرها نزلت بالمدينة ، وهذا الذي قاله صحيح ، فصحيح الأحاديث والنقل المشهور على ما قدمناه في كتاب الإيمان .

وقولها : ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد : تعني أنه كان يسلم من وتره وهو قاعد ، مخبرة بمشروعية محل السلام ، ولم يرد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى ركعتي الفجر قاعدا ، والله أعلم . وسيأتي الكلام على من غلب عن حزبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية