المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1284 [ 643 ] وعن زيد بن خالد الجهني أنه قال : لأرمقن صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الليلة ، فصلى ركعتين خفيفتين ، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ، ثم أوتر . فذلك ثلاث عشرة ركعة

رواه أحمد (5 \ 193)، ومسلم (765)، وأبو داود (1366)، وابن ماجه (1362) .


(107) ومن باب : كيفيه صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالليل

قول ابن عباس : فاضطجعت في عرض الوسادة ، واضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طولها : العرض - بفتح العين - ، خلاف الطول ، وهو المراد هنا . وعرض الوادي : ناحيته ; بالضم . والعرض - بالكسر - : السب والذم . والوسادة : ما يتوسد إليه وعليه ، ويريد به هنا الفراش . وكان اضطجاع ابن عباس لرؤوسهما ، أو لأرجلهما ; وذلك لصغره .

قلت : هذا الذي قاله الشارحون من تسمية الفراش وسادة تجوز لا شك فيه ; إذ الوسادة ما يتوسد إليه ، كما أن المرفقة ما يرتفق عليه . ويمكن أن يبقى لفظ [ ص: 393 ] الوسادة على حقيقته ، ويكون اضطجاع رسول - صلى الله عليه وسلم - عليها : وضعه رأسه على طولها ، واضطجاع ابن عباس : وضعه رأسه على عرضها ، وقد تقدم ذكر سن ابن عباس يوم موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وقوله : فنام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى انتصف الليل ، أو قبله بقليل ، أو بعده بقليل : هذا من ابن عباس تقدير للوقت لا تحقيق ، لكنه لم يخرج به عن قول الله تعالى : قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه [ المزمل : 2 - 4 ] وقراءته - صلى الله عليه وسلم - هذا العشر في هذا الوقت ; لما تضمنه من الحض والتنبيه على الذكر والدعاء والصلاة والتفكر ، وغير ذلك من المعاني المنشطة على القيام ، على ما لا يخفى .

والشن : القربة البالية ، وهو الشجب أيضا في الرواية الأخرى ، ويقال : سقاء شاجب ; أي : يابس .

وقوله : فأحسن الوضوء ; أي : أبلغه وأكمله ، ومع ذلك فلم يهرق من الماء إلا قليلا ، كما جاء في الرواية الأخرى : ولم يكثر ، وقد أبلغ ، وفي الأخرى : وضوءا حسنا بين الوضوءين . ووضعه - صلى الله عليه وسلم - يمينه على رأس عبد الله : تسكين له ، وأخذه بأذنه ، تثبيت للتعليم ، أو زيادة في التأنيس والتسكين ، وقيل : فعل ذلك لينفي عنه العين ; لما أعجبه فعله معه ، وقيل : فعل ذلك به طردا للنوم ، وفي بعض طرق هذا الحديث عنه قال : فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني ، وهذا نص . وشناق [ ص: 394 ] القربة : ما تشنق به القربة ، أي : يشد عنقها . وقيل : هو الذي تعلق به ، قال أبو عبيد : والأول أشبه .

وقوله في الرواية الأخرى : فقمت عن يساره ، فأخذ بيدي ، فأدارني عن يمينه ، هذا أخذ للإدارة ، والأخذ بالأذن أخذ للتنشيط أو التنبيه ، على ما تقدم . وقد فسر هذه الإدارة في رواية أخرى ; فقال : وأخذ بيدي من وراء ظهره ، ولا تعارض بين الأخذين ; إذ جمعهما له ممكن ، والله أعلم .

[ ص: 395 ] وقد تقدم الكلام على مراتب المأموم مع إمامه ، وعلى نوم الأنبياء صلى الله عليهم أجمعين وسلم ، وعلى الخلاف في كيفية صلاة الليل . وهذه الأنوار التي دعا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - يمكن أن تحمل على ظاهرها ، فيكون معنى سؤاله : أن يجعل الله له في كل عضو من أعضائه نورا يوم القيامة ، يستضيء به في تلك الظلم هو ومن تبعه ، أو من شاء الله تعالى ممن تبعه . والأولى أن يقال : هذه الأنوار هي مستعارة للعلم والهداية ، كما قال تعالى : أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه [ الزمر : 22 ] وكما قال تعالى : أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس [ الأنعام :122 ] أي : علما وهداية ، والتحقيق في معنى النور : أن النور مظهر ما ينسب إليه ، وهو يختلف بحسبه ، فنور الشمس مظهر للمبصرات ، ونور القلب كاشف عن المعلومات ، ونور الجوارح ما يبدو عليها من أعمال الطاعات ، فكأنه دعا بإظهار الطاعات عليها دائما ، والله تعالى أعلم .

وقوله : وسبعا في التابوت ; أي : وذكر سبعا ، والتابوت أراد به الجسد ، وذكر خمسا ، ولم يعين الخصلتين ; وهما : اللسان والنفس على ما ذكره في الأم . قال أبو الفرج في قوله : وسبعا في التابوت ; أي : سبعة أشياء مكتوبة عنده في [ ص: 396 ] الصندوق ; أي : قد نسيها ، وهي عنده مكتوبة ، وقد جاء فيما بعد منها : عصبي ، ولحمي ، ودمي ، وشعري ، وبشري .

التالي السابق


الخدمات العلمية