المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1288 [ 644 ] وعن ابن عباس : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل : اللهم لك الحمد ، أنت نور السماوات والأرض ، ولك الحمد ، أنت قيام السماوات والأرض ، ولك الحمد ، أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن ، أنت الحق ، ووعدك الحق ، وقولك الحق ، ولقاؤك حق ، والجنة حق ، والنار حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت ، وبك آمنت ، وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، أنت إلهي ، لا إله إلا أنت .

وفي رواية : " قيم " مكان : " قيام " .

رواه أحمد (1 \ 298 و 308)، والبخاري (1120)، ومسلم (769)، وأبو داود (771)، والترمذي (3418)، والنسائي (3 \ 209 - 210)، وابن ماجه (1355) .


وقوله : اللهم لك الحمد ، أنت نور السماوات والأرض ; أي : منورها في قول الحسن ; دليله : قراءة علي - رضي الله عنه - : (الله نور السماوات) بفتح النون ، والواو مشددة . قال ابن عباس : هادي أهلهما . ومجاهد : مدبرهما ، وقيل : هو المنزه في السماوات والأرض من كل عيب ، من قول العرب : امرأة نوارة ; أي : مبرأة من كل ريبة . وقيل : هو اسم مدح ، يقال : فلان نور البلد ، وشمس الزمان ; كما قال النابغة :


فإنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب



[ ص: 397 ] وقال آخر :


إذا سار عبد الله في مرو ليلة     فقد سار فيها نورها وجمالها



وقال أبو العالية : مزين السماوات بالشمس والقمر والنجوم ، ومزين الأرض بالأنبياء ، والأولياء ، والعلماء .

وقوله : أنت قيام السماوات والأرض : قيام على المبالغة ، من قام بالشيء : إذا هيأ له ما يحتاج إليه ، ويقال : قيوم ، وقيام ، وقيم . وقرأ عمر : (الله لا إله إلا هو الحي القيام) . وعلقمة : (القيم) . وقال قتادة : هو القائم بتدبير خلقه . الحسن : القائم على كل نفس بما كسبت . ابن جبير : الدائم الوجود . ابن عباس : الذي لا يحول ولا يزول .

وقوله : أنت رب السماوات والأرض ; أي : مصلحهما ، ومصلح من فيهما ، مأخوذ من الربة ، وهي نبت تصلح عليه المواشي ، يقال : رب ، يرب ربا ، فهو راب ، ورب ، وربى يربي تربية ، فهو مرب . قال النابغة :


ورب عليه الله أحسن صنعه



وقال آخر :


يرب الذي يأتي من الخير أنه     إذا فعل المعروف زاد وتمما



[ ص: 398 ] والرب أيضا : السيد ، فيكون معناه : أنه سيد من في السماوات والأرض .

والرب : المالك ; أي : هو مالكهما ومالك من فيهما .

وقوله : أنت الحق ; أي : الواجب الوجود ، وأصله من : حق الشيء ; إذا ثبت ووجب ، ومنه : أفمن حق عليه كلمة العذاب [ الزمر :19 ] ولكن حق القول مني [ السجدة : 13 ] ; أي : ثبت ووجب ، وهذا الوصف لله تعالى بالحقيقة والخصوصية لا ينبغي لغيره ; إذ وجوده لنفسه ، فلم يسبقه عدم ، ولا يلحقه عدم ، وما عداه مما يقال عليه هذا الاسم مسبوق بعدم ، ويجوز عليه لحاق العدم ، ووجوده من موجده لا من نفسه ، وباعتبار هذا المعنى كان أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد :


ألا كل شيء ما خلا الله باطل



وإليه الإشارة بقوله تعالى : كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون [ القصص : 88 ] ولقاؤنا الله تعالى عبارة عن مآل حالنا بالنسبة إلى جزائنا على أعمالنا في الدار الآخرة ، والساعة : يوم القيامة ، وأصله القطعة من الزمان ، لكن لما لم يكن هناك كواكب تقدر بها الأزمان ; سميت بذلك ، والله أعلم .

وإطلاق اسم الحق على هذه الأمور كلها ; معناه : أنها لا بد من كونها ، وأنها مما ينبغي أن يصدق بها ، وتكرار الحق في تلك المواضع على جهة التأكيد والتفخيم والتعظيم لها .

[ ص: 399 ] وقوله : لك أسلمت ; أي : انقدت وخضعت . وبك آمنت ; أي : صدقت . وعليك توكلت ; أي : فوضت . [ وإليك أنبت ; أي : رجعت . وبك خاصمت ; أي : بما لقنتني من الحجة غلبت الخصوم . وإليك حاكمت ; أي : إليك فوضت ] الحكومة ; كما قال تعالى : أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون وقد تقدم الكلام على عصمة الأنبياء والذنوب المنسوبة إليهم في كتاب الطهارة . فإذا فرعنا على جواز الصغائر عليهم ، فيكون الاستغفار على بابه وظاهره ، وإن أحلنا ذلك عليهم ، فيكون استغفاره ليسنه لأمته ، أو على تقدير وقوع ذنوب منه حتى يلازم حالة الافتقار والعبودية .

وقوله : وما قدمت ; أي : قبل وقتي هذا . وما أخرت : عنه . وما أسررت ; أي : أخفيت . وأعلنت : أظهرت . أنت إلهي ; أي : معبودي ومقصودي ، الذي وله فيك قلبي ، وتحير في عظمتك وجلالك عقلي ، وكل عن ثنائك لساني ، فغاية الوسيلة إليك ، لا أحصي ثناء عليك . لا إله إلا أنت ; أي : لا معبود غيرك ، ولا معروف بهذه المعرفة سواك .

التالي السابق


الخدمات العلمية