المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
109 (24) باب

حب علي والأنصار آية الإيمان ، وبغضهم آية النفاق

[ 59 ] عن أنس ; عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : حب الأنصار آية الإيمان ، وبغضهم آية النفاق .

رواه البخاري ( 17 ) ، ومسلم ( 74 ) ، والنسائي ( 8 \ 116 ) .


[ ص: 264 ] (24) ومن باب حب علي والأنصار من الإيمان

(قوله : " آية الإيمان حب الأنصار ") الحديث ، الآية : العلامة والدلالة ، وقد تكون ظنية ، وقد تكون قطعية . وحب الأنصار من حيث كانوا أنصار الدين ومظهريه ، وباذلين أموالهم وأنفسهم في إعزازه وإعزاز نبيه وإعلاء كلمته دلالة قاطعة على صحة إيمان من كان كذلك ، وصحة محبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبغضهم كذلك دلالة قاطعة على النفاق .

وكذلك القول في حب علي وبغضه ; فمن أحبه لسابقته في الإسلام ، وقدمه في الإيمان ، وغنائه فيه ، وذوده عنه وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولمكانته من النبي - صلى الله عليه وسلم - وقرابته ومصاهرته ، وعلمه وفضائله ، كان ذلك منه دليلا قاطعا على صحة إيمانه ويقينه ومحبته للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومن أبغضه لشيء من ذلك ، كان على العكس .

قال المؤلف - رحمه الله - : وهذا المعنى جار في أعيان الصحابة كالخلفاء ، والعشرة ، والمهاجرين ، بل وفي كل الصحابة ; إذ كل واحد منهم له شاهد وغناء في الدين ، وأثر حسن فيه ; فحبهم لذلك المعنى محض الإيمان ، وبغضهم له محض النفاق ، وقد دل على صحة ما ذكرناه : قوله - عليه الصلاة والسلام - فيما أخرجه [ ص: 265 ] البزار في أصحابه كلهم : فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم . لكنهم لما كانوا في سوابقهم ومراتبهم متفاوتين ، فمنهم المتمكن الأمكن ، والتالي والمقدم ، خص الأمكن منهم بالذكر في هذا الحديث ، وإن كان كل منهم له في السوابق أشرف حديث ، وهذا كما قال العلي الأعلى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل ، إلى قوله : وكلا وعد الله الحسنى [ الحديد : 10 ] .

تنبيه : من أبغض بعض من ذكرنا من الصحابة من غير تلك الجهات التي ذكرناها ، بل لأمر طارئ ، وحدث واقع ; من مخالفة غرض ، أو ضرر حصل ، أو نحو ذلك : لم يكن كافرا ، ولا منافقا بسبب ذلك ; لأنهم - رضي الله عن جميعهم - قد وقعت بينهم مخالفات عظيمة ، وحروب هائلة ، ومع ذلك فلم يكفر بعضهم بعضا ، ولا حكم عليه بالنفاق لما جرى بينهم من ذلك ، وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام ; فإما أن يكون كلهم مصيبا فيما ظهر له . أو المصيب واحد ، والمخطئ معذور ، بل مخاطب بالعمل على ما يراه ويظنه مأجورا .

فمن وقع له بغض في واحد منهم لشيء من ذلك ، فهو عاص يجب عليه التوبة من ذلك ، ومجاهدة نفسه في زوال ما وقع له من ذلك ، بأن يذكر فضائلهم وسوابقهم ، وما لهم على كل من بعدهم من الحقوق الدينية والدنيوية ; إذ لم يصل أحد ممن بعدهم بشيء من الدنيا ولا الدين إلا بهم ، وبسببهم وأدبهم وصلت [ ص: 266 ] لنا كل النعم ، واندفعت عنا الجهالات والنقم ، ومن حصلت به مصالح الدنيا والآخرة ، فبغضه كفران للنعم ، وصفقته خاسرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية