المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1319 (113) باب

تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها

[ 667 ] عن أبي هريرة ، أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت ، يتغنى بالقرآن يجهر به .

وفي رواية : كإذنه ، مكان : ما أذن .

رواه أحمد (2 \ 450)، والبخاري (5024)، ومسلم (792) (233) و (234)، وأبو داود (1473)، والنسائي (2 \ 180) .


[ ص: 421 ] (113) [ ومن باب : تحسين الصوت بالقراءة والترجيع فيها ]

قوله : ما أذن الله ; أي : ما استمع الله وأصغى . وأصله : أن المستمع يميل بأذنه إلى جهة المستمع ، تقول العرب : أذن ; بكسر الذال ، يأذن بفتحها في المستقبل ; أذنا بفتح الهمزة والذال في المصدر : إذا أصغى واستمع . وهذا المعنى في حق الله تعالى محال ، وإنما هو من باب التوسع على ما جرى به عرف التخاطب ، وهو منصرف في حق الله تعالى لإكرام القارئ وإجزال ثوابه . ووجه هذا التوسع : أن الإصغاء إلى الشيء قبول له ، واعتناء به ، ويترتب على ذلك إكرام المصغى إليه ، فعبر عن الإكرام بالإصغاء ; إذ هو عنه . وفائدة هذا الخبر حث القارئ على إعطاء القراءة حقها من : ترتيلها ، وتحسينها ، وتطييبها بالصوت الحسن ما أمكن .

فأما قوله : يتغنى بالقرآن ، فتمسك به من يجوز قراءة القرآن بالألحان ، وهو أبو حنيفة وجماعة من السلف ، وقال به الشافعي في التحزين ، وكرهه مالك وأكثر العلماء ، ولا أشك أن موضع الخلاف في هذه المسألة إنما هو إذا لم يغير لفظ القرآن بزيادة أو نقصان ، أو يبهم معناه بترديد الأصوات ، فلا يفهم معنى القرآن ، فإن هذا مما لا شك في تحريمه . فأما إذا سلم من ذلك ، وحذى به حذو أساليب الغناء والتطريب والتحزين فقط ، فقد قال مالك : ينبغي أن ننزه أذكار الله ، وقراءة القرآن عن التشبه بأحوال المجون والباطل ; فإنها حق ، وجد ، وصدق . والغناء : هزل ، ولهو ، ولعب . وهذا الذي قاله مالك وجمهور العلماء هو الصحيح ; بدليل ما ذكر ، وبأدلة أخرى : [ ص: 422 ] منها : أن كيفية قراءة القرآن قد بلغتنا متواترة عن كافة المشايخ جيلا فجيلا إلى العصر الكريم ; إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وليس فيها تلحين ولا تطريب ، مع كثرة المتعمقين والمتنطعين في مخارج الحروف ، وفي المد ، والإدغام ، والإظهار ، وغير ذلك من كيفية القراءات ، وهذا قاطع .

ومنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال : لست من دد ولا الدد مني ، والدد : هو اللعب ، واللهو ، ومعنى ذلك : أن اللعب لا يليق بأحواله ، فكيف بقرآنه وقراءته ؟!

ومنها : أن التطريب والترجيع يؤدي إلى الزيادة في القرآن ، والنقص منه ، وهما ممنوعان ، فالمؤدي إليهما ممنوع ; وبيانه : أن التطريب ، والتلحين يحتاج من ضروراته أن يمد في غير موضع المد ، وينقص ; مراعاة للوزن ; كما هو معلوم عند أهله .

ومنها : أنه يؤدي إلى تشبيه القرآن بالشعر ، وقد نزهه الله عن الشعر وأحواله ، حيث قال تعالى : إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر [ الحاقة : 40 - 41 ]

وقد تأول من منع من تلحين القرآن ، قوله - صلى الله عليه وسلم - : يتغنى به . وقوله : ليس منا من لم يتغن بالقرآن ; على تأويلات :

أحدها : أن معناه أنه يستغني به ، يقال : تغنيت ، وتغانيت ، بمعنى : استغنيت ، قاله سفيان .

وثانيها : أن معناه يجعله مكان الغناء ، وبدلا منه ، فيستديم تلاوته ، ويستطيبه كما يستطيب الغناء .

[ ص: 423 ] وثالثها : أن معناه : يجهر به . كما فسره الصحابي راوي الحديث ، وهذا أشبه ; لأن العرب تسمي كل من رفع صوته ووالى به : غانيا ، وفعله ذلك : غناء ، وإن لم يلحنه تلحين الغناء ، وعلى هذا فسره الصحابي ، وهو أعلم بالمقال ، وأقصد بالحال . والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية