المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1359 (122) باب قراءة سورتين في ركعة من النوافل

[ 693 ] عن أبي وائل قال : غدونا على عبد الله بن مسعود يوما بعدما صلينا الغداة ، فسلمنا بالباب ، فأذن لنا . قال : فمكثنا بالباب هنية قال : فخرجت الجارية فقالت : ألا تدخلون ؟ فدخلنا ، فإذا هو جالس يسبح ، فقال : ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم ؟ فقلنا : لا ، إلا أنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم ، قال : ظننتم بآل ابن أم عبد غفلة ؟ قال : ثم أقبل يسبح حتى ظن أن الشمس قد طلعت ، فقال : يا جارية ! انظري ، هل طلعت ؟ قال : فنظرت فإذا هي لم تطلع ، فأقبل يسبح حتى إذا ظن أن الشمس قد طلعت فقال : يا جارية ، انظري هل طلعت ؟ فنظرت فإذا هي قد طلعت فقال : الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا (قال مهدي : أحسبه قال : ولم يهلكنا بذنوبنا) . قال : فقال رجل من القوم : قرأت المفصل البارحة كله . قال فقال عبد الله : هذا كهذ الشعر ؟ إنا لقد سمعنا القرائن ، وإني لأحفظ القرائن التي كان يقرؤهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ثمانية عشر من المفصل ، وسورتين من آل حم .

وفي رواية قال : جاء رجل من بني بجيلة ، يقال له : نهيك بن سنان ، إلى عبد الله ، فقال : إني أقرأ المفصل في ركعة . فقال عبد الله : أهذا كهذ الشعر ؟ ! لقد علمت النظائر التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بهن ، سورتين في كل ركعة .

وفي أخرى : فقال عبد الله : هذا كهذ الشعر ؟ إن أقواما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع ، إن أفضل الصلاة الركوع والسجود ، إني لأعلم النظائر . . . الحديث .

وفي أخرى قال : هي عشرون .

رواه البخاري (5043)، ومسلم (822) (278) و (279)، وأبو داود (1396) .


(122) ومن باب : قراءة سورتين في ركعة

قوله : فإذا هو جالس يسبح ; أي : يسبح الله ويذكره ، لا بمعنى : يتنفل ; لأن ذلك في وقت يمنع التنفل فيه .

وقوله : هذا كهذ الشعر : إنكار منه على من يسرع في قراءته ، ولا يرتل ولا يتدبر ، ونصب هذا على المصدر ; كأنه قال : أتهذ هذا ؟ وهذ الشعر : [ ص: 454 ] الاسترسال في إنشاده من غير تدبر في معانيه ، ومعنى هذا : أن الشعر هو الذي إن فعل الإنسان فيه ذلك سوغ له ، وأما في القرآن فلا ينبغي مثل ذلك فيه ، بل يقرأ بترتيل وتدبر ; ولذلك قال : إن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع ، والتراقي : جمع ترقوة ، وهي عظام أعالي الصدر ، وهو كناية عن عدم الفهم ; كما وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - به الخوارج ; إذ قال : لا يجاوز حناجرهم .

والنظائر والقرائن هي : السور المتقاربة في المقدار ، وقد عددها ثماني عشرة في رواية ، وفي أخرى عشرين ، ولا بعد في ذلك ، فإنه يذكر في وقت الأقل من غير تعرض للحصر ، ويزيد في وقت آخر . أو يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قرن في وقت بين ثماني عشرة ، وفي أخرى بين عشرين . وقد ذكر أبو داود هذا الحديث عن علقمة والأسود ; قالا : أتى ابن مسعود رجل فقال : إني أقرأ المفصل في ركعة ، فقال : أهذا كهذ الشعر ، ونثرا كنثر الدقل ؟ لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ النظائر ; السورتين في ركعة : الرحمن والنجم في ركعة ، واقتربت والحاقة في ركعة ، والطور والذاريات في ركعة ، والواقعة ونون في ركعة ، وسأل سائل [ ص: 455 ] والنازعات في ركعة ، وويل للمطففين وعبس في ركعة ، وهل أتى ولا أقسم في ركعة ، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة ، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة . وقال أبو داود : هذا تأليف ابن مسعود .

قلت : وهذا مفسر لرواية من روى : ثماني عشرة . وزاد في رواية ابن الأعرابي : والمدثر والمزمل في ركعة ، فكملت عشرين .

وقوله في رواية أبي داود : ونثر كنثر الدقل ، الدقل : رديء التمر . ووجه التشبيه : أنه يتناثر متتابعا على غير ترتيب ، فشبه المسرع في قراءته بذلك .

وقوله في الأم : لا يصعد له عمل ; أي : لا يكون له ثواب يصعد به ; كما قال امرؤ القيس :


على لاحب لا يهتدى بمناره



أي : ليس له منار فيهتدى به .

وقوله : إن أفضل الصلاة الركوع والسجود : حجة لمن قال : إن كثرة السجود أفضل من تطويل القيام ، وقد تقدم ذكر الخلاف في هذه المسألة . واختلف في مبدأ المفصل ، فقيل : من سورة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل : من سورة ق ، وسمي بذلك ; لكثرة الفصل بين سوره بسطر : بسم الله الرحمن الرحيم . [ ص: 456 ] وقول ابن مسعود : الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا ولم يهلكنا بذنوبنا ; خوفا منه للذي رأى من تبدل الأحوال .

التالي السابق


الخدمات العلمية