المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
114 (25) باب

كفران العشير ، وكفر دون كفر

[ 62 ] عن عبد الله بن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ; أنه قال : يا معشر النساء ، تصدقن ، وأكثرن الاستغفار ; فإني رأيتكن أكثر أهل النار . فقالت امرأة منهن جزلة : وما لنا - يا رسول الله - أكثر أهل النار ؟ قال : تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب لذي لب منكن ! قالت : يا رسول الله وما نقصان العقل والدين ؟ قال : أما نقصان العقل : فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل ; فهذا نقصان العقل ، وتمكث الليالي وما تصلي ، وتفطر في رمضان ; فهذا نقصان الدين .

رواه أحمد ( 2 \ 66 ) ، ومسلم ( 79 ) ، وابن ماجه ( 4003 ) .


[ ص: 268 ] (25) ومن باب كفران العشير ، وكفر دون كفر

(قوله : " يا معشر النساء ، تصدقن ، وأكثرن الاستغفار ; فإني رأيتكن أكثر أهل النار ") هذا نداء لجميع نساء العالم إلى يوم القيامة ، وإرشاد لهن إلى ما سيخلصهن من النار ، وهو الصدقة مطلقا ، واجبها وتطوعها .

والظاهر : أن المراد هنا القدر المشترك بين الواجب والتطوع ; لقوله في بعض طرقه : ولو من حليكن . والاستغفار : سؤال المغفرة ، وقد يعبر به عن التوبة ; كما قال تعالى : استغفروا ربكم إنه كان غفارا [ نوح : 10 ] أي : توبوا ، وإنما عبر عن التوبة بالاستغفار ; لأنه إنما يصدر عن الندم وجل الإصرار ، وذلك هو التوبة . فأما الاستغفار مع الإصرار ، فحال المنافقين والأشرار ، وهو جدير بالرد وتكثير الأوزار ، وقد قال بعض العارفين : " الاستغفار باللسان توبة الكذابين " .

و (قوله : " رأيتكن أكثر أهل النار ") أي : اطلع على نساء آدميات من نوع المخاطبات ، لا أنفس المخاطبات ; كما قال في الرواية الأخرى : اطلعت على [ ص: 269 ] النار ، فرأيت أكثر أهلها النساء . فلما سمع النساء ذلك ، علمن أن ذلك كان لسبب ذنب سبق لهن ، فبادرت هذه المرأة لجزالتها وشدة حرصها على ما يخلص من هذا الأمر العظيم ، فسألت عن ذلك ، فقالت : وما لنا أكثر أهل النار ؟ ، فأجابها - صلى الله عليه وسلم - : تكثرن اللعن ، وتكفرن العشير ، أي : يدور اللعن على ألسنتهن كثيرا لمن لا يجوز لعنه ; وكان ذلك عادة جارية في نساء العرب ، كما قد غلبت بعد ذلك على النساء والرجال ، حتى إنهم إذا استحسنوا شيئا ربما لعنوه ، فيقولون : ما أشعره! لعنه الله!! ، وقد حكى بعضهم أن قصيدة ابن دريد كانت تسمى عندهم : الملعونة ; لأنهم كانوا إذا سمعوها ، قالوا : " ما أشعره! لعنه الله!! " ، وقد تقدم أن أصل اللعن : الطرد والبعد .

والعشير : هو المعاشر والمخالط مطلقا ، والمراد به هنا : الزوج ، والكفر : كفران الحقوق ; ويدل على صحة الأمرين : حديث الموطأ ، الذي قال فيه : لكفرهن ، قيل : أيكفرن بالله ؟ فقال : يكفرن العشير ، ويكفرن الإحسان ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ، ثم رأت منك شيئا ، قالت : ما رأيت منك خيرا قط .

والجزالة : الشهامة والجدة ، مع العقل والرفق ; قال ابن دريد : الجزالة : الوقار والعقل ، وأصل الجزالة : العظم من كل شيء ، ومنه : عطاء جزل . واللب : العقل ، سمي بذلك ; لأنه خلاصة الإنسان ولبه ولبابه ، ومنه سمي قلب الحب : لبا .

والعقل الذي نقصه النساء : هو التثبت في الأمور ، والتحقيق فيها ، والبلوغ فيها إلى غاية الكمال ، وهن في ذلك غالبا بخلاف الرجال .

وأصل العقل : العلم ، وقد يقال على الهدوء والوقار والتثبت في الأمور ، [ ص: 270 ] وللعلماء خلاف في حد العقل المشترط في التكليف ، ليس هذا موضع ذكره .

والدين هنا يراد به : العبادات ، وليس نقصان ذلك في حقهن ذما لهن ; وإنما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك من أحوالهن على معنى التعجب من الرجال ، حيث يغلبهم من نقص عن درجتهم ، ولم يبلغ كمالهم ; وذلك هو صريح قوله - عليه الصلاة والسلام - : ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن ; وذلك نحوا مما قاله الأعشى فيهن :


وهن شر غالب لمن غلب

ونحو قولهم فيما جرى مجرى المثل : يغلبن الكرام ، ويغلبهن اللئام . وفيه : ما يدل على أن الحائض لا تصلي ولا تصوم مدة حيضها ، وهو مجمع عليه ، وسيأتي إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية