المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1393 (4) كتاب الجمعة

(1) باب

فضل الغسل للجمعة وتأكيده ، ومن اقتصر على الوضوء أجزأه

[ 712 ] عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل .

رواه أحمد (2 \ 9 و 35 و 330)، والبخاري (894)، ومسلم (844)، والترمذي (492)، والنسائي (3 \ 93 و 105)، وابن ماجه (1088) .


[ ص: 478 ] (4)

كتاب الجمعة

(1) باب فضل الغسل للجمعة وتأكيده

قوله - صلى الله عليه وسلم - : إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم : ظاهر في وجوب غسل الجمعة ، وبه قال أهل [ ص: 479 ] الظاهر ، وحكي عن بعض الصحابة ، وعن الحسن ، وحكاه الخطابي عن مالك ، ومعروف مذهبه وصحيحه : أنه سنة ، وهو مذهب عامة أئمة الفتوى ، وحملوا تلك الأحاديث على أنه واجب وجوب السنن المؤكدة ، ودلهم على ذلك أمور :

أحدها : قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة : من توضأ فأحسن الوضوء ، ثم أتى الجمعة ، فاستمع وأنصت ; غفر له ، فذكر فيه الوضوء ، واقتصر عليه دون الغسل ، ورتب الصحة والثواب عليه . فدل على أن الوضوء كاف من غير غسل ، وأن الغسل ليس بواجب .

وثانيها : قوله - صلى الله عليه وسلم - لهم حين وجد منهم الريح الكريهة : لو اغتسلتم ليومكم هذا ؟! . وهذا عرض وتحضيض ، وإرشاد للنظافة المستحسنة ، ولا يقال مثل ذلك اللفظ في الواجب .

وثالثها : تقرير عمر والصحابة لعثمان - رضي الله عنهم - على صلاة الجمعة بالوضوء من غير غسل ، ولم يأمروه بالخروج ، ولم ينكروا عليه ، فصار ذلك كالإجماع منهم على أن الغسل ليس بشرط في صحة الجمعة ، ولا واجب .

ورابعها : ما يقطع مادة النزاع ، ويحسم كل إشكال : حديث الحسن ، عن سمرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فالغسل أفضل ، وهذا نص في موضع الخلاف ; غير أن سماع الحسن من سمرة مختلف فيه ، وقد صح عنه أنه سمع منه حديث العقيقة ، فيحمل حديثه عنه على السماع إلى أن يدل دليل على غير ذلك . والله تعالى أعلم .

وخامسها : أنه - عليه الصلاة والسلام - قد قال : غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم ، وسواك ، ويمس من الطيب ما قدر عليه . وظاهر هذا وجوب [ ص: 480 ] السواك والطيب ، وليس كذلك بالاتفاق ، يدل على أن قوله : واجب . ليس على ظاهره ، بل المراد به ندب المؤكد ; إذ لا يصح تشريك ما ليس بواجب مع الواجب في لفظ "الواو" والله تعالى أعلم .

وقول عمر : ما بال رجال يتأخرون بعد النداء : إنكار منه على عثمان تأخره عن وقت وجوب السعي ، ثم عذر عثمان حين اعتذر بقوله : ما زدت على أن توضأت ; يعني : أنه ذهل عن الوقت ، ثم تذكره ، فإذا به قد ضاق عن الغسل ، وكان ذهوله ذلك لعذر مسوغ .

وقول عمر - رضي الله عنه - : والوضوء أيضا ؟! : إنكار آخر على ترك السنة المؤكدة التي هي الغسل على جهة التغليظ ، حتى لا يتهاون بالسنن ، لا أنه كان يعتقد الغسل واجبا ، ويجوز في " الوضوء " النصب والرفع ، فالرفع على أنه مبتدأ ، وخبره محذوف ، تقديره : الوضوء تقتصر عليه ، والنصب على أنه مفعول بإضمار فعل تقديره : أتخص الوضوء دون الغسل ؟! أو ما في معنى ذلك ، والواو عوض من همزة الاستفهام ; كما قال تعالى : (قال فرعون وآمنتم به) في قراءة ابن كثير .

التالي السابق


الخدمات العلمية