المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
117 (26) باب

ترك الصلاة جحدا أو تسفيها للأمر كفر

[ 63 ] عن جابر بن عبد الله ; قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة .

رواه أحمد ( 3 \ 289 ) ، ومسلم ( 82 ) ، وأبو داود ( 4678 ) ، والترمذي ( 2622 ) ، وابن ماجه ( 1078 ) .


[ ص: 271 ] (26) ومن باب : ترك الصلاة جحدا أو تسفيها للأمر كفر

(قوله : " بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة ") يعني : أن من ترك الصلاة ، لم يبق بينه وبين الكفر حاجز يحجزه عنه ، ولا مانع يمنعه منه ، أي : قد صار كافرا ; وهذا إنما يكون بالاتفاق فيمن كان جاحدا لوجوبها ، فأما لو كان معترفا بوجوبها ، متهاونا بفعلها ، وتاركا لها ، فالجمهور : على أنه يقتل إذا أخرجها عن آخر وقتها ، ثم هل يقتل كفرا ، أو حدا ؟ فممن ذهب إلى الأول : أحمد بن حنبل ، وابن المبارك ، وإسحاق ، وابن حبيب من أصحابنا ، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب ، وممن ذهب إلى الثاني : مالك ، والشافعي ، وكثير من أهل العلم ; قالوا : يقتل حدا إذا عرضت عليه فلم يفعلها ، ثم هل يستتاب أم لا ؟ قولان لأصحابنا .

وقال الكوفيون : لا يقتل ، ويؤمر بفعلها ، ويعزر حتى يفعلها . والصحيح : أنه ليس بكافر ; لأن الكفر الجحد كما تقدم ، وليس بجاحد ، ولأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال : خمس صلوات افترضهن الله على العباد ، فمن جاء بهن لم يضيع منهن شيئا ، كان له عند الله عهد أن يغفر له ، ومن لم يأت بهن ، فليس له على الله عهد ; إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه ; فهذا ينص على أن ترك الصلاة ليس بكفر ، وأنه مما دون الشرك الذي قال [ ص: 272 ] الله تعالى فيه : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [ النساء : 48 ] . واختلف العلماء في أخوات الصلاة من الفرائض ; كالزكاة ، والصيام ، والحج ، والوضوء ، والغسل من الجنابة ، هل يقتل الآبي من فعلها وإن اعترف بوجوبها ، أم يعاقب حتى يفعل ؟ وهل هو كافر أم عاص ؟ مذهب مالك : في أن من قال : لا أتوضأ ولا أصوم ، أنه يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل ، وإن قال : لا أزكي ، أخذت منه كرها ، فإن امتنع ، قوتل ، فإن قال : لا أحج ، لم يجبر ; لكون فرضه على التراخي .

قال المؤلف - رحمه الله - : هكذا أطلق أئمتنا ، وينبغي أن يقال : إنه إذا انتهى الممتنع إلى حالة يخاف معها الفوت ; كالهرم ، والمرض ، حمل على الفعل ; لئلا يخلى زمانه عن الحج مع استطاعته ، وأما من يقول : إن الحج على الفور إذا حصلت الاستطاعة ، فقياس مذهبه : يقتضي أن يحمل على الفعل في تلك الحال ، لكن أصحابنا لم يقولوا به ، ولا كفروه بترك الحج كما فعلوا في الصلاة ; لأن كون وجوبه على الفور ليس بمعلوم التحديد والتوقيف من الشرع ; كما هو في الصلاة ، وإنما قيل ذلك بالاجتهاد والظن ، والله أعلم .

وقال ابن حبيب : من قال عند الإمام : لا أصلي وهي علي ، قتل ولا يستتاب ، وكذلك من قال : لا أتوضأ ، ولا أغتسل من الجنابة ، ولا أصوم . وقال أيضا : من ترك الصلاة متعمدا أو مفرطا : كافر ، ومن ترك أخواتها متعمدا ; من زكاة ، وحج ، وصوم : كافر ، وقاله الحكم بن عتيبة وجماعة من السلف .

التالي السابق


الخدمات العلمية