المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1411 (2) باب

فضل يوم الجمعة ، والساعة التي فيه

[ 720 ] عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة ; فيه خلق آدم ، وفيه أدخل الجنة ، وفيه أخرج منها ، ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة .

رواه أحمد (2 \ 401 و 486)، ومسلم (854) (18)، وأبو داود (1046)، والترمذي (488 و 491)، والنسائي (3 \ 89 - 90) .


(2) ومن باب : فضل يوم الجمعة

قوله : خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة : خير وشر : يستعملان للمفاضلة ولغيرها ، فإذا كانتا للمفاضلة ; فأصلها : أخير وأشر ; على وزن أفعل ، وقد نطق بأصلها ، فجاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : توافون يوم القيامة سبعين أمة أنتم أخيرهم . ثم أفعل إن قرنت بـ " من " كانت نكرة ، ويستوي فيها المذكر والمؤنث ، والواحد ، والاثنان ، والجمع ، وإن لم تقرن بها لزم تعريفها بالإضافة ، أو بالألف واللام ، فإذا عرف بالألف واللام أنث وثني وجمع ، وإن أضيف ساغ فيه الأمران ، كما قال تعالى : وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها [ الأنعام : 123 ] وقال : ولتجدنهم أحرص الناس على حياة [ البقرة : 96 ] . وأما [ ص: 490 ] إذا لم يكونا للمفاضلة ; فهما من جملة الأسماء ، كما قال تعالى : إن ترك خيرا [ البقرة : 180] وقال : ويجعل الله فيه خيرا كثيرا [ النساء :19 ] ، وهي في هذا الحديث للمفاضلة ، غير أنها مضافة لنكرة موصوفة ، ومعناها في هذا الحديث : أن يوم الجمعة أفضل من كل يوم طلعت شمسه .

ثم كون الجمعة أفضل الأيام لا يرجع ذلك إلى عين اليوم ; لأن الأيام متساوية في أنفسها ، وإنما يفضل بعضها بعضا بما به من أمر زائد على نفسه . ويوم الجمعة قد خص من جنس العبادات بهذه الصلاة المعهودة التي يجتمع لها الناس ، وتتفق هممهم ودواعيهم ودعواتهم فيها ، ويكون حالهم فيها كحالهم في يوم عرفة ، فيستجاب لبعضهم في بعض ، ويغفر لبعضهم ببعض ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - : الجمعة حج المساكين ; أي : يحصل لهم فيها ما يحصل لأهل عرفة . والله أعلم . ثم إن الملائكة يشهدونهم ، ويكتبون ثوابهم ، ولذلك سمي هذا اليوم : المشهود ، ثم تخطر فيه لقلوب العارفين من الألطاف والزيادات بحسب ما يدركونه من ذلك ، ولذلك سمي : بيوم المزيد ، ثم إن الله تعالى قد خصه بالساعة التي فيه على ما يأتي ذكرها ، ثم إن الله تعالى قد خصه بأن أوقع فيه هذه الأمور العظيمة التي هي : خلق آدم الذي هو أصل البشر ، ومن ولده الأنبياء والأولياء والصالحون ، ومنها : إخراجه من الجنة الذي حصل عنده إظهار معرفة الله وعبادته في هذا النوع الآدمي . ومنها : توبة الله عليه التي بها ظهر لطفه تعالى ورحمته لهذا النوع الآدمي مع اجترامه ومخالفته . ومنها : موته الذي بعده وفي أجره ، ووصل [ ص: 491 ] إلى مأمنه ، ورجع إلى المستقر الذي خرح منه . ومن فهم هذه المعاني ، فهم فضيلة هذا اليوم وخصوصيته بذلك ، فحافظ عليه وبادر إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية