المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1415 [ 722 ] ومن حديث حذيفة نحوه ، قال : نحن الآخرون من أهل الدنيا ، والأولون يوم القيامة ، المقضي لهم قبل الخلائق .

وفي رواية : المقضي بينهم .

رواه مسلم (856) (22)، والنسائي (3 \ 87) .


وقوله - صلى الله عليه وسلم - : نحن الآخرون الأولون ، قد فسرته الرواية الأخرى التي قال فيها : نحن الآخرون من أهل الدنيا ، والأولون يوم القيامة ، المقضي لهم قبل الخلائق ، وأول من يدخل الجنة . وهذا كله شرف لهذه الأمة بشرف نبيها ، ولأنهم خير أمة أخرجت للناس .

وقوله : بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا : هكذا روينا هذا الحرف " بيد " بفتح الباء ، وسكون الياء ، وفتح الدال . قال أبو عبيد : تكون بيد بمعنى غير ، وبمعنى على ، وبمعنى : من أجل ، وأنشد :


عمدا فعلت ذاك بيد أني أخاف إن هلكت لم ترني



قال الليث : ويقال : ميد وبيد ; بالباء والميم ; بمعنى غير . قلت : ونصبه إذا كان بمعنى غير على الاستثناء ، ويمكن أن يقال : إنه بمعنى مع ، ويكون نصبه على الظرف الزماني .

وأوتوا الكتاب : أعطوه . والكتاب : التوراة ، ويحتمل أن يريد به التوراة والإنجيل ; بدليل : أنه قد ذكر بعد هذا اليهود والنصارى .

وقوله : فاختلفوا : يعني : في يوم الجمعة . وقد اختلف العلماء في كيفية [ ص: 492 ] ما وقع لهم من فريضة يوم الجمعة ، فقالت طائفة : إن موسى أمرهم بيوم الجمعة ، وعينه لهم ، وأخبرهم بفضيلته على غيره ، فناظروه : أن السبت أفضل . فقال الله له : دعهم وما اختاروا لأنفسهم . ونقلوا هذا القول . ويؤيد هذا قول نبينا - صلى الله عليه وسلم - في بعض طرق هذا الحديث : وهذا يومهم الذي فرض عليهم ، ثم اختلفوا فيه .

وقيل : إن الله لم يعينه لهم ، وإنما أمرهم بتعظيم يوم في الجمعة ، ووكل تعيينه إلى اختيارهم ، فاختلف اجتهادهم في تعيينه ، فعينت اليهود السبت ; لأن الله فرغ فيه من الخلق . وعينت النصارى يوم الأحد ; لأن الله تعالى بدأ فيه الخلق ، فألزم كل واحد منهم ما أداه إليه اجتهاده ، وعينه الله لهذه الأمة من غير أن يكلهم إلى اجتهادهم ; فضلا منه ونعمة . ويدل على صحة هذا : قوله - صلى الله عليه وسلم - : فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه ; أي : في تعيينه : هدانا الله له ; أي : بتعيينه لنا ، لا باجتهادنا . ومما يؤيده : أنه لو عين لهم فعاندوا فيه لما قيل : اختلفوا فيه ، وإنما كان ينبغي أن يقال : فخالفوا فيه وعاندوا . ومما يؤيده أيضا قوله في الأم في بعض طرقه : أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا .

وقوله : فاليوم لنا ، وغدا لليهود ، وبعد غد للنصارى ; أي : بعد إلزام المشروعية بالتعيين لنا ، وبالاختيار لهم . وحق "غد" و " بعد " أن يكونا مرفوعين على المبتدأ ، وخبراهما في المجرورين بعدهما ، وقد قيدهما كذلك بعض من نعتمده . وقيدناهما أيضا بالنصب بناء على أنهما ظرفان غير متمكنين ، والأول أولى ; لأنهما قد أخبر عنهما هنا ، فقد خرجا عن الظرفية . وقد جاء في رواية : [ ص: 493 ] فاليهود غدا والنصارى بعد غد منصوبين على الظرف ، إلا أنهما متعلقان بمحذوف تقديره : فاليهود يعظمون غدا ، والنصارى بعد غد ، وضم إلى ذلك : أن ظروف الزمان لا تكون أخبارا عن الجثث .

التالي السابق


الخدمات العلمية