المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1438 [ 741 ] وعن عدي بن حاتم : أن رجلا خطب عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بئس الخطيب أنت ، قل : ومن يعص الله ورسوله .

رواه أحمد (4 \ 256)، ومسلم (870)، وأبو داود (1099)، والنسائي (6 \ 90) .


وقوله للخطيب الذي قال : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فقد غوى : ظاهره : أنه أنكر عليه جمع اسم الله واسم رسوله - صلى الله عليه وسلم - في ضمير واحد ، ويعارضه ما رواه أبو داود من حديث ابن مسعود : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب فقال في خطبته : من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه . وفي حديث أنس : ومن يعصهما فقد غوى . وهما صحيحان ، ويعارضه أيضا قوله تعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي [ الأحزاب :56 ] فجمع بين ضمير اسم الله وملائكته ، ولهذه المعارضة صرف بعض القراء هذا الذم إلى أن ذلك الخطيب وقف على : ومن يعصهما ، وهذا تأويل لم تساعده الرواية ; فإن [ ص: 511 ] الرواية الصحيحة أنه أتى باللفظين في مساق واحد ، وأن آخر كلامه إنما هو : فقد غوى . ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رد عليه وعلمه صواب ما أخل به ، فقال : قل : ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ; فظهر أن ذمه له إنما كان على الجمع بين الاسمين في الضمير ، وحينئذ يتوجه الإشكال ، ونتخلص عنه من أوجه :

أحدها : أن المتكلم لا يدخل تحت خطاب نفسه إذا وجهه لغيره ، فقوله - صلى الله عليه وسلم - : بئس الخطيب أنت منصرف لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - لفظا ومعنى .

وثانيها : أن إنكاره - صلى الله عليه وسلم - على ذلك الخطيب يحتمل أن يكون كأن هناك من يتوهم التسوية من جمعهما في الضمير الواحد ، فمنع ذلك لأجله ، وحيث عدم ذلك جاز الإطلاق .

وثالثها : أن ذلك الجمع تشريف ، ولله تعالى أن يشرف من شاء بما شاء ، ويمنع من مثل ذلك للغير ; كما قد أقسم بكثير من المخلوقات ، ومنعنا من القسم بها ، فقال سبحانه وتعالى : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [ الأحزاب : 56 ] ، وكذلك أذن لنبيه - صلى الله عليه وسلم - في إطلاق مثل ذلك ، ومنع منه الغير على لسان نبيه .

ورابعها : أن العمل بخبر المنع أولى لأوجه ; لأنه تقعيد قاعدة ، والخبر [ ص: 512 ] الآخر يحتمل الخصوص ، كما قررناه ; ولأن لهذا الخبر ناقل ، والآخر مبقى على الأصل ; فكان الأول أولى ; ولأنه قول ، والثاني فعل ; فكان أولى . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية