المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1509 (7) باب

شهود النساء صلاة الكسوف

[ 784 ] عن أسماء بنت أبي بكر قالت : خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدخلت على عائشة وهي تصلي فقلت : ما شأن الناس يصلون ؟ فأشارت برأسها إلى السماء . فقلت : آية ؟ قالت : نعم . فأطال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القيام جدا ، حتى تجلاني الغشي - أو الغشي - فأخذت قربة من ماء إلى جنبي ، فجعلت أصب على رأسي ، أو على وجهي من الماء ، قالت : فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد تجلت الشمس ، فخطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، ما من شيء لم أكن رأيته إلا قد رأيته في مقامي هذا ، حتى الجنة والنار ، وإنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور قريبا ، أو مثل فتنة المسيح الدجال ( لا أدري أي ذلك قالت أسماء) فيؤتى أحدكم فيقال : ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن أو الموقن (لا أدري أي ذلك قالت أسماء) فيقول : هو محمد ، هو رسول الله جاء بالبينات والهدى ; فأجبنا وأطعنا ثلاث مرار ، فيقال له : نم . قد كنا نعلم أنك مؤمن به ، فنم صالحا ، وأما المنافق أو المرتاب (لا أدري أي ذلك قالت أسماء) فيقول : لا أدري ، سمعت الناس يقولون شيئا فقلت .

رواه البخاري (184) ، ومسلم (905) (11) ، وابن ماجه (1265) .


[ ص: 565 ] (7) ومن باب : شهود النساء صلاة الكسوف

اختلف في مخاطبة النساء بصلاة الكسوف ، فقيل : يخاطب بها الجميع والنساء والمسافرون ، وهذا مشهور مذهب مالك ، وعند الشافعي . وروي عن مالك أيضا ما يدل على أنه يخاطب بها من يخاطب بالجمعة ، فيخرج منها النساء والمسافرون . وذهب الكوفيون إلى أنهن يصلين أفذاذا لا جماعة . وهذا الحديث وحديث جابر يدلان على حضور النساء لها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما خرجن من بيوتهن ولا حضرن الصلاة إلا وقد صح عندهن أنهن مخاطبات بذلك . وأيضا فإن قوله - صلى الله عليه وسلم - : فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة ; يدل على أنهن مخاطبات بذلك ، وهذا الخطاب وإن كان أصله للذكور ; فالنساء مندرجات فيه ; كما اندرجن في قوله - تعالى - : يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا [ المائدة :6 ] و كتب عليكم الصيام [ البقرة : 183 ] ، وغير ذلك من خطابات التعبدات العامة ، والنساء داخلات فيها باتفاق . واختلف فيمن فاتته صلاة الكسوف مع الإمام ، هل يصليها وحده ؟ على قولين لأهل العلم ، ومن أصحابنا من قال : لا تلزمه ، وهو أصل مالك : في أن السنن لا تقضى إذا فاتت بفوات أفعالها أو أوقاتها .

[ ص: 566 ] وقولها : حتى تجلاني الغشي أو الغشي : الأول بسكون الشين ، والثاني بكسرها ، وكلاهما بالغين المعجمة ، وهما بمعنى واحد ، وهو حقيقة الإغماء ، وأتى الراوي باللفظين لأنه شك هل سمعه منها مسكنة أو مثقلة . ووقعت هذه اللفظة عند الطبري بالعين المهملة ، وليس بشيء .

وقولها : فجعلت أصب على رأسي ووجهي الماء ، هذا كان منها لطول القيام وشدة الحر ، وكأنها رأت أن فعل مثل هذا مع شدة الحاجة إليه يجوز ; لخفة أمر ما ليس بفريضة ، ولأن هذا الفعل ليس من قبيل العمل الكثير الذي ينصرف به عن الصلاة ; كتأخر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتقدمه في هذه الصلاة . وفي هذا الحديث أبواب كثيرة [ ص: 567 ] من الفقه ; منها ما ذكر ، ومنها ما لم يذكر ، إلا أنها لا تخفى على المتأمل الفطن .

التالي السابق


الخدمات العلمية