المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1562 (8) باب في تكفين الميت وتسجيته ، والأمر بتحسين الكفن

[ 808 ] عن خباب بن الأرت قال : هاجرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبيل الله نبتغي وجه الله ، فوجب أجرنا على الله ، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا ، منهم مصعب بن عمير قتل يوم أحد فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة ، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه ، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ضعوها مما يلي رأسه ، واجعلوا على رجليه من الإذخر . ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها .

رواه البخاري (1276) ، ومسلم (940) ، وأبو داود (2876) ، والترمذي (3852) ، والنسائي (4 \ 38) .


(8) ومن باب : تكفين الميت

قول خباب " فوجب أجرنا على الله " ; أي : بما وعد به من هاجر بقوله الصدق ووعده الحق ، لا بالعقل ; إذ لا يجب على الله شيء عقلا ولا وضعا .

وقوله " فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا " ; أي : منا من مات على الحال التي هاجر عليها من الفقر ومجانبة زهرة الدنيا وطيباتها ، فذلك الذي سلم له أجر عمله كله ، فرأى أن نيل طيبات الدنيا ينقص من ثواب الأعمال الصالحة فيها .

[ ص: 598 ] وقد قال في البخاري في هذا الحديث : لقد خشيت أن تكون عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا .

وقوله " ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها " ; أي أدركت ونضجت ، يقال : ينع الثمر وأينع إذا أدرك طيبه ، ومنه قوله تعالى : وينعه [ الأنعام : 99] ويهدبها ; أي : يجتنيها ويقطفها ، يقال منه : هدب ، يهدب ، ويهدب ، هدبا . والنمرة : كساء ملمع ، وقيل أسود .

وقد يستدل بهذا الحديث على أن الكفن من رأس المال ، وهو قول عامة علماء الأمة إلا ما حكي عن طاووس أنه من الثلث إن كان المال قليلا ، وإلا ما حكي عن بعض السلف أنه من الثلث على الإطلاق ، ولم يتابعا على هاتين المقالتين .

وفيه : أن الكفن إذا ضاق عن الميت كان تغطية وجهه ورأسه أولى ; إكراما للوجه وسترا لما يظهر عليه من تغير محاسنه ، وإن ضاق عن الوجه والعورة بدئ بستر العورة .

وتكفين الميت المسلم واجب عند العلماء ، فإن كان له مال فمن رأس ماله على ما تقدم ، وإن لم يكن له مال فمن بيت المال أو على جماعة المسلمين .

واختلف أصحابنا ; هل يلزم ذلك من كان تلزمه نفقته في حياته أم لا ؟ والوتر في الكفن مستحب عند كافة العلماء ، وكلهم مجمعون على أنه ليس فيه حد واجب .

التالي السابق


الخدمات العلمية