المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1563 [ 809 ] وعن عائشة قالت : كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيض سحولية من كرسف ، ليس فيها قميص ولا عمامة ، أما الحلة فإنما شبه على الناس فيها أنها اشتريت له ليكفن فيها ، فتركت الحلة وكفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ، فأخذها عبد الله بن أبي بكر فقال : لأحبسنها حتى أكفن فيها نفسي ! ثم قال : لو رضيها الله لنبيه لكفنه فيها ! فباعها وتصدق بثمنها .

رواه أحمد (6 \ 40 و 231) ، والبخاري (1271) ، ومسلم (941) ، وأبو داود (3151) ، والترمذي (969) ، والنسائي (4 \ 35) ، وابن ماجه (1469) .


[ ص: 599 ] وقولها " كفن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب بيض سحولية " يدل على استحباب البياض في الكفن ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : إن من خير ثيابكم البياض ، فكفنوا فيها موتاكم . والكفن في غيره جائز ، ومن أطلق عليه أنه مكروه فمعناه أن البياض أولى . واختلف قول مالك في المعصفر ; فمرة كرهه لأنه مصبوغ يتجمل به ، وليس بموضع تجمل ، وأجازه أخرى لأنه من الطيب ولكثرة لباس العرب له . وسحولية : روايتنا فيه بفتح السين ، وهي منسوبة إلى سحول قرية باليمن . وفي الصحاح : السحل الثوب الأبيض من الكرسف من ثياب اليمن ، ويجمع سحول وسحل ، قال : ويقال سحول موضع باليمن ، والسحولية منسوبة إليه . وقد كره مالك وعامة العلماء التكفين في ثياب الحرير للرجال والنساء ، وأجازه ابن حبيب للنساء خاصة .

وقولها " ليس فيها قميص ولا عمامة " حمله الشافعي على أن ذلك ليس بموجود في الكفن ، فلا يقمص . وحمله مالك على أنه ليس بمعدود فيه وأن العمامة والقميص زائدان على الثلاثة الأثواب . ويحتمل إن كانا موجودين ، ولم يعدهما الراوي ، فيقمص ويعمم . وهو قول متقدمي أصحابه ; ابن القاسم وغيره ، وهو قول أبي حنيفة . وحكى ابن القصار أن القميص والعمامة غير مستحبين عند مالك ، ونحوه عن ابن القاسم ، وعلى هذا فيدرج في الثلاثة الأثواب إدراجا .

وقولها " أما الحلة فإنما شبه على الناس فيها " ، قال الخليل : الحلة [ ص: 600 ] ضرب من برود اليمن . وقال أبو عبيد : هي برود اليمن . والحلة إزار ورداء ، لا تسمى حلة حتى يكونا ثوبين .

وقولها في الأم : أدرج في حلة يمنية ، ثم نزعت عنه - تعني : وبعد ذلك كفن في الثلاثة الأثواب ، اختلف الرواة في هذا اللفظ ; فعند العذري يمنية ، وعند الصدفي يمانية ، وكلاهما منسوب إلى اليمن . وعند الفارسي حلة يمنة بتنوين حلة ورفع يمنة وإسكان الميم وفتح النون ، ويقال بحذف التنوين من [ ص: 601 ] حلة وإضافتها .

واختلف في القميص الذي غسل فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي نهوا عن نزعه ; فقال بعض العلماء : إنه نزع عنه حين كفن وستر بالأكفان ; لأنه كان مبلولا ، ولا يتفق تكفينه فيه كذلك . قد ذكر أبو داود عن ابن عباس : كفن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أثواب نجرانية ; الحلة - ثوبان ، وقميصه الذي مات فيه . وهذا مخالف لحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم ، وقد نصت على أنه لم يكفن في الحلة .

وقولها " ليس فيها قميص ولا عمامة " محتمل لما ذكرناه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية