المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1624 (20) باب من لا يصلى عليه

[ 843 ] عن جابر بن سمرة قال : أتي النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه .

رواه مسلم (978) ، والترمذي (1068) ، والنسائي (4 \ 66) .


(20) ومن باب : من لا يصلى عليه

قوله " قتل نفسه بمشاقص " ، هكذا صحيح الرواية فيه ، وهو جمع مشقص وهو السكين على الخلاف الذي ذكرناه في كتاب الإيمان ، وقد رواه الطبري " بمشقاص " بألف ، وليس بشيء ، وصوابه " مشقص " .

ولعل هذا القاتل لنفسه كان مستحلا لقتل نفسه فمات كافرا فلم يصل عليه لذلك ، وأما المسلم القاتل لنفسه فيصلى عليه عند كافة العلماء ، وكذلك المقتول [ ص: 638 ] في حد أو قصاص ، ومرتكب الكبائر وولد الزنى ، غير أن أهل الفضل يجتنبون الصلاة على المبتدعة والبغاة وأصحاب الكبائر ردعا لأمثالهم . ويجتنب الإمام خاصة الصلاة على من قتله في حد ، وحكي عن بعض السلف خلاف في بعض صور ; فعن الزهري : لا يصلى على المرجوم ، ويصلى على المقتول في قود . وقال أحمد : لا يصلي الإمام على قاتل نفس ولا غال . وقال أبو حنيفة : لا يصلى على محارب ، ولا على من قتل من الفئة الباغية . وقال الشافعي : لا يصلى على من ترك الصلاة إذا قتل ، ويصلى على من سواه . وعن الحسن : لا يصلى على النفساء تموت من زنى ، ولا على ولدها - وقاله قتادة في ولد الزنى . وعن بعض السلف خلاف في الصلاة على الطفل الصغير لما جاء أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل على إبراهيم ابنه ، وقد جاء عنه أنه صلى عليه ، ذكر الحديثين أبو داود ، وقد علل ترك الصلاة عليه بعلل ضعيفة أشبهها أنه لم يصل عليه هو بنفسه لشغله بكسوف الشمس ، وصلى عليه غيره ، والله أعلم .

واختلفوا في الصلاة على السقط ; فذهب بعض السلف وفقهاء المحدثين إلى الصلاة عليه ، والجمهور على أنه لا يصلى عليه حتى يستهل صارخا أو تعرف حياته . وقال بعض السلف : يصلى عليه متى نفخ فيه الروح وتمت له أربعة أشهر . وأما المقتول في معترك العدو فلا يغسل ولا يصلى عليه عند مالك ، ويفعل ذلك به عند غيره ، وفرق أبو حنيفة بين الغسل والصلاة فأثبتها وأسقطه ، واختلف أصحابنا لو كان الشهيد جنبا هل يغسل أم لا ؟ قولان .

وعبد الله بن أبي ابن سلول هو عبد الله بن أبي بن مالك ، وسلول : أم [ ص: 639 ] أبي ، فتارة ينسب أبي إليها وتارة إلى أبيه مالك ، وكان عبد الله هذا سيد الخزرج في آخر جاهليتهم ، فلما ظهر النبي - صلى الله عليه وسلم - وانصرف الخزرج وغيرهم إليه حسده عبد الله وناصبه العداوة ، غير أن الإسلام غلبه فنافق ، وكان رأسا في المنافقين ، وهو أعظمهم نفاقا وأشدهم كفرا ، وكان المنافقون خلقا كثيرا ، حتى لقد روي عن ابن عباس أنهم كانوا ثلاثمائة رجل ومائة وسبعين امرأة ، وكان لعبد الله هذا ولد اسمه عبد الله هو من فضلاء أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أصدقهم إسلاما وأكثرهم عبادة وأشرحهم صدرا رضي الله عنه ، وكان أبر الناس بأبيه هذا ، ومع ذلك ; فقال يوما لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! إنك لتعلم أني من أبر الناس بأبي ، ولكن إن أمرتني أن آتيك برأسه فعلت ! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل نعفو عنه . فكان من أحرص الناس على إسلام أبيه وعلى أن ينتفع أبوه من بركات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء ، ولذلك لما مات سأل ابنه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه لينال من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعطاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قميصه ، وسأله أن يصلي عليه فصلى عليه ، كل ذلك إكرام لابنه وإسعاف له في طلبته . وقد روي أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أعطاه قميصه لأن عبد الله كان قد أعطى العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر قميصا ، وذلك أن العباس أسر يوم بدر وسلب ، فمر به عبد الله فأعطاه قميصه ، فكافأه النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية