المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1639 (3) باب

الأمر بزكاة الفطر ، وعمن تخرج ،

ومماذا تخرج ، ومتى تخرج ؟

[ 853 ] عن ابن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين ، حر أو عبد ، أو رجل ، أو امرأة ; صغير أو كبير .

وفي رواية : فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس ، صاعا من تمر ، أو صاعا من شعير ; على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين

رواه أحمد (3 \ 63)، والبخاري (1504)، ومسلم (984)، وأبو داود (1611)، والترمذي (676)، والنسائي (5 \ 48)، وابن ماجه (1826) .


[ ص: 19 ] (3) ومن باب: الأمر بزكاة الفطر

قوله : " فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر " ; جمهور أئمة الفتوى على أنها واجبة ، وهو المنصوص عن مالك ; محتجين بقوله: " فرض " فإن عرفه الشرعي أوجب . وبأنها داخلة في عموم قوله تعالى : وآتوا الزكاة وذهب بعض أهل العراق وبعض أصحاب مالك : إلى أنها سنة ، ورأوا أن : " فرض " بمعنى : " قدر " ، وهو أصله في اللغة ، كما قال تعالى : أو تفرضوا لهن فريضة ولم يروها داخلة في عموم ما ذكر . وقال أبو حنيفة : هي واجبة وليست بفريضة ; على مذهبه في الفرق بين الواجب والفرض .

وقوله : " زكاة الفطر من رمضان " ; إشارة إلى وقت وجوبها . وقد اختلف فيه :

فعندنا وعند الشافعي : تجب بغروب الشمس من آخر رمضان . وقيل عنهما : بطلوع الفجر من يوم الفطر .

وذهب بعض المتأخرين من أصحابنا : إلى أنها تجب بطلوع الشمس من يوم الفطر ، وسبب هذا الخلاف : أن الشرع قد أضاف هذه الزكاة للفطر ، وهل هو الفطر المعتاد في سائر الشهور ؟ فيكون الوجوب من وقت الغروب ، أو الفطر المعتاد في كل يوم ؟ فيكون من طلوع الشمس . أو المراد أول الفطر المأمور به يوم الفطر ؟ فيكون من طلوع الفجر .

وقال ابن قتيبة : معنى صدقة الفطر ; أي : صدقة النفوس ، والفطرة : أصل الخلقة ، وهذا بعيد ، بل مردود بقوله : [ ص: 20 ] " صدقة الفطر من رمضان " ، والأول أظهر .

وقوله : " على كل نفس " ; يقتضي عموم النفوس أغنيائهم وفقرائهم . خلافا لأصحاب الرأي في قولهم : لا تلزم من يحل له أخذها .

واختلف قول مالك وأصحابه في ذلك ، ومشهور مذهبه: أنها تجب على من فضل عن قوته يوم الفطر بقدرها . ويدخل في ذلك العموم: الحاضر والبادي ، خلافا لليث ، وربيعة والزهري وعطاء في قصر وجوبها على أهل الحواضر والقرى ، دون أهل العمود والخصوص .

وقوله : " من المسلمين " ; دليل على أنها لا تخرج عن العبد الكافر ، وهو قول الجمهور . وذهب الكوفيون وإسحاق وبعض السلف : إلى أنها تخرج عن العبيد الكفار .

وقد تأول الطحاوي قوله : " من المسلمين " : أنه عائد إلى السادة المخرجين . وهذا لا يقتضيه مساق الحديث ، فتأمله .

قلت : وظاهر هذا الحديث : أنه إنما قصد فيه إلى بيان مقدارها ، ومن يقدر عليه ، ولم يتعرض فيه لبيان من يخرجها عن نفسه ممن يخرجها عن غيره ، بل [ ص: 21 ] شمل الجميع ; إذ قد ذكر فيهم العبد والصغير .

فأما الصغير : فلا خلاف عند من يقول : إنها تخرج بسببه ; أن وليه هو الذي يخاطب بإخراجها ; إذ الصبي لم يجر عليه بعد قلم التكليف .

وأما العبد : فذهب الجمهور: إلى أنه ليس مخاطبا بها ; لأنه لا شيء له . ولو كان له مال فسيده قادر على انتزاعه ، خلافا لداود ، فإنه أوجبها على العبد ; تمسكا بلفظ العبد المذكور في الحديث هذا .

وقال : على السيد أن يتركه قبل الفطر فيكتسب ذلك القدر ، وليس له منعه من ذلك في تلك المدة ، كما لا يمنعه من صلاة الفرض .

ثم إذا تنزلنا على قول الجمهور في أنه لا يجب عليه شيء ، فهل يخاطب سيده بإخراجها عنه أم لا ؟ جمهورهم أيضا: على أنه يجب ذلك عليه ; لأنه تلزمه نفقته ومؤونته ، وهذه من جملة المؤن ، فإن المخاطب بإخراجها المكلف الواجد لها حين الوجوب ; عن نفسه وعن من تلزمه نفقته ; بدليل ما رواه الدارقطني من حديث ابن عمر رضي الله عنه - قال : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزكاة الفطر عن الصغير والكبير ، والحر والعبد ، ممن تمونون .

والصحيح ما في الأصل من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر عن كل : صغير وكبير ، وحر أو مملوك ، فصرح فيه بأنهم كانوا يخاطبون بإخراج زكاة الفطر عن غيرهم ; وذلك الغير لا بد أن يكون بينه وبين المأمور بالإخراج ملابسة ، وتلك الملابسة هي التي تكون مثل الملابسة التي تكون بين الصغير ووليه ، والعبد وسيده ، وهي القيام بما يحتاج إليه كل واحد منهما من المؤن .

وأما إخراجها عن الزوجة ، فمذهب الجمهور أن ذلك يجب على الزوج . وقال الكوفيون : لا يلزم الرجل إخراجها عن زوجته ، وإنما يلزمها هي أن تخرجها عن نفسها ، وسببه ما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية