المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1668 [ 866 ] وعن أم سلمة ، قالت : قلت يا رسول الله! هل لي أجر في بني أبي سلمة ؟ أنفق عليهم ولست بتاركتهم هكذا وهكذا إنما هم بني فقال : ( نعم ، لك فيهم أجر ما أنفقت عليهم)

رواه أحمد (6 \ 292 و 293)، والبخاري (1467)، ومسلم (1001) .


[ ص: 44 ] (6) ومن باب: فضل الصدقة على الزوج والولد

قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( تصدقن ولو من حليكن ) ; احتج بظاهره من رأى أن الزكاة تجب في الحلي . ولا حجة فيه ; لأنا لا نسلم أن هذه الصدقة هنا هي الواجبة بل التطوع ; بدليل قوله : ( ولو من حليكن ) ، فإنه ظاهر في الحث والحض على فعل الخير والمبالغة فيه ; ألا ترى أنه قد سلك فيه مسلك قوله : (ردوا السائل ولو بظلف محرق) .

وقولها : ( فإن كان ذلك يجزي عني وإلا صرفتها لغيركم ) ; لا يدل على أنها الصدقة الواجبة ، وإنما ذلك لما وعظهن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : (تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار ، بادرن هذا الأمر ، وأخذن في التصدق ; لتحصل لهن الوقاية من النار ، فكأنها قالت : أتقيني هذه الصدقة من النار ؟ وكأنها خافت إن تصدقت على زوجها ألا ينفعها ذلك ، ولا يكون لها في ذلك أجر ، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - لهما في جوابهما : (لهما أجران) ولم يقل : يجزئ ، [أو] لا يجزئ ، والله أعلم .

وقد روي [ ص: 45 ] في غير مسلم : أن امرأة عبد الله بن مسعود كانت صناعا ، وأنها قالت : يا رسول الله ! إني ذات صنعة أبيع منها ، وليس لزوجي ولا لولدي شيء ، فهل لي فيهم من أجر ؟ وفي أخرى : أنها أخذت حليها لتتصدق به ، وقالت : لعل الله ألا يجعلني من أهل النار . وهذا يدل على أنها كانت صدقة تطوع .

وممن قال بوجوب الزكاة في الحلي - وإن كان للباس - عمر وابن مسعود في جماعة من الصحابة ، وابن المسيب وابن سيرين والزهري في جماعة من التابعين ، وقاله الكوفيون .

وممن قال : لا زكاة فيه : ابن عمر على خلاف عنه ، وجابر ، وعائشة ، وغيرهم من الصحابة والتابعين ، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق ، وأظهر قولي الشافعي . وفيه دليل على جواز صدقة المرأة من مالها بغير إذن زوجها ، لكن فيما لا يجحف بحق الزوج مما يكون له بال ، فأما ما له بال من مالها ، فليس لها أن تخرجه بغير معاوضة ، إلا بإذن الزوج ، بدليل ما خرجه النسائي من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (لا يحل لامرأة أن تقضي في ذي بال من مالها إلا بإذن زوجها) ، نقلته من حفظ وسماع لا من كتاب . وهذا مذهب مالك . والذي له بال عنده : الثلث فصاعدا .

والحلي عندنا على ثلاثة أضرب :

متخذ للباس ، فلا زكاة فيه .

ومتخذ للتجارة ، أو على غير الوجه المسوغ ; وفيه الزكاة .

ومتخذ للكرى ، وفيه خلاف ; لتردده بينهما .

[ ص: 46 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لهما أجران : أجر القرابة ، وأجر الصدقة ) ; أي : أجر صلة الرحم ، وأجر منفعة الصدقة .

واختلف قول مالك في الصدقة الواجبة على القرابة غير الوالدين والولد ، والزوجة ، بالجواز والكراهية ، ووجه هذه الكراهية مخافة الميل بالمدح بصلة الأرحام . فتفسد نية أداء الفرض ، أو تضعف .

فأما الوالدان والولد الفقراء فلا تدفع الزكاة إليهم بالإجماع .

واختلفوا في المرأة : هل تعطي منها زوجها ؟ فأجازه الشافعي وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، وأبو ثور ، وأشهب ; إذا لم يصرفها إليها فيما يلزمه لها ، ولم يجزه مالك ، ولا أبو حنيفة ، واختلف فيه عن أحمد .

وليس إخبار بلال بالسائلتين اللتين [استكتمتاه] من هما بكشف أمانة سر ; لوجهين :

الأول : أن بلالا فهم أن ذلك ليس على الإلزام ، وإنما كان ذلك منهما على أنهما رأتا أنه لا ضرورة تحوج إلى ذلك .

والثاني : أنه إنما أخبر بهما جوابا لسؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فرأى أن إجابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهم وأوجب من كتمان ما أمرتاه به . وهذا كله بناء على أنهما أمرتاه . ويحتمل أن يكون سؤالا للإسراع ، ولا يجب إسعاف كل سؤال .

التالي السابق


الخدمات العلمية