المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1663 (8) باب

الابتداء في الصدقة بالأهم فالأهم

[ 871 ] عن جابر قال : أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( ألك مال غيره ؟) فقال : لا ، فقال : (من يشتريه مني ؟) فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم ، فجاء بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعها إليه . ثم قال : (ابدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك ، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك ، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا) . تقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك .

رواه أحمد (3 \ 369)، ومسلم (997)، وأبو داود (3957)، والنسائي (7 \ 304) .


[ ص: 50 ] (8) ومن باب: الابتداء بالصدقة بالأهم فالأهم

قوله : " أعتق رجل من بني عذرة " ، وجاء في رواية أخرى في " الأم " ; أن هذا الرجل من الأنصار ، واسمه : أبو مذكور .

وهذا الحديث حجة للشافعي ، ومن قال بقوله على جواز بيع المدبر . وأن التدبير ليس بلازم كالوصية . وخالفه في ذلك مالك ومن قال بقوله . فقال : إنه لا يجوز بيعه إلا إن استغرقه دين بعد الموت ، قال مالك : وهو الأمر المجمع عليه عندنا .

وعلى هذا: فظاهر هذا الحديث متروك بدليل هذا العمل المجمع عليه ، فيتعين تأويل هذا الحديث عند من يرجح العمل المنقول على أخبار الآحاد ، وهو مذهب مالك . وقد حمل أصحابنا هذا الحديث: على أنه إنما باعه النبي - صلى الله عليه وسلم - في دين متقدم على التدبير ، ويعتضد هذا: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - تولى بيع المدبر بنفسه ، كما يتولى الحاكم بيع مال المفلس . وأحالت الشافعية لهذا التأويل: بأنه - صلى الله عليه وسلم - قال للرجل لما دفع إليه ثمن المدبر : ( ابدأ بنفسك فتصدق عليها ) ; قالوا : ولو كان هنالك دين لكان الابتداء به أولى ، ولقال له : ابدأ بدينك .

قال بعض أصحابنا : إن قوله : ( ابدأ بنفسك ) ; متضمن لذلك ; لأن قوله : ( ابدأ بنفسك ) ; إنما يعني به ابدأ بحقوقها . ومن أعظم حقوقها تخليصها من الدين الذي هي مرتهنة به . ومما احتج به أصحابنا [بأن] المدبر لا يباع ولا يوهب : حديث ابن عمر ، وهو أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : ( المدبر لا يباع ولا يوهب ، وهو حر من الثلث ) ، وصحيحه موقوف على ابن عمر ، والذي استدل به مالك ما تقدم .

[ ص: 51 ] وقوله : ( فإن فضل شيء ) ; المعروف : " فضل " بكسر الضاد ، وهي لغة . و [يقال] بفتحها ، وهي اختيار الجوهري .

وهذا الحديث دليل على مراعاة الأوكد فالأوكد .

التالي السابق


الخدمات العلمية