المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1730 (21) باب من تحل له المسألة ؟

[ 911 ] عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال : تحملت حمالة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها فقال : (أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " قال : ثم قال يا قبيصة : ( إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، أو قال : سدادا من عيش ، ورجل أصابته فاقة ، حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه : لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، أو قال : سدادا من عيش فما سواهن من المسألة ، يا قبيصة ! سحتا يأكلها صاحبها سحتا) .

رواه أحمد (3 \ 477)، ومسلم (1044)، وأبو داود (1640)، والنسائي (5 \ 89) .


[ ص: 87 ] (21) ومن باب: من تحل له المسألة

قوله : " تحملت حمالة " ; أي : ألزمتها نفسي . والحمالة : ما لزم الإنسان تحمله من غرم أو دية .

وكانت العرب إذا وقعت بينهم ثائرة اقتضت غرما في دية أو غيرها ، قام أحدهم فتبرع بالتزام ذلك ، والقيام به ; حتى ترتفع تلك الثائرة ، ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق ، ولا يصدر مثله إلا عن سادات الناس وخيارهم . وكانت العرب لكرمها إذا علمت بأن أحدا تحمل حمالة بادروا إلى معونته ، وأعطوه ما يتم به وجه مكرمته ، وتبرأ به ذمته ، ولو سأل المتحمل في تلك الحمالة لم يعد ذلك نقصا ، بل شرفا وفخرا ، ولذلك سأل هذا الرجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حمالته التي تحملها على عاداتهم ، فأجابه - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بحكم المعونة على المكرمة ، ووعده النبي - صلى الله عليه وسلم - بمال من الصدقة ; لأنه غارم من جملة الغارمين المذكورين في آية الصدقات .

وقوله : ( إن المسألة لا تحل [إلا] لأحد ثلاثة ) ; لما قرر النبي - صلى الله عليه وسلم - منع قاعدة المسألة من الناس ، بما تقدم من الأحاديث ، وبمبايعتهم على ذلك ، وكانت الحاجات والفاقات تنزل بهم ، فيحتاجون إلى السؤال ، بين لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من يخرج من عموم تلك القاعدة ، وهم هؤلاء الثلاثة .

و" الجائحة " : ما اجتاحت المال وأتلفته إتلافا ظاهرا ، كالسيل والمطر والحرق والسرق وغلبة العدو ، وغير ذلك مما يكون إتلافه للمال ظاهرا .

و" الفاقة " : الفقر . والقوام " - بكسر القاف - : ما يقوم به [ ص: 88 ] العيش ، وبفتحها : الاعتدال . والسداد " - بكسر السين - : ما يسد به الشيء ، كسد القارورة ، وبفتحها : الإصابة .

وقوله : ( حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجى من قومه : لقد أصابت فلانا فاقة ) ; أي : يقوم ثلاثة فيقولون : لقد أصابت فلانا فاقة ، وفي كتاب أبي داود : " حتى يقول " باللام من القول ، فلا يحتاج إلى تقدير محذوف .

و" الحجى " : العقل . واشترطه ; لأن من عدمه لا يحصل بقوله ثقة ، ولا يصلح للشهادة ، أو لعله عبر به عما يشترط في المخبر والشاهد من الأمور التي توجب الثقة بأقوالهم ، ويكون الموصوف بها عدلا مرضيا .

وقوله : ( من قومه ) ; لأنهم أعلم بدخيلة أمره ، واستظهر بالثالث ليلحق بالمنتشر . ولم يحتج فيمن أصابته الجائحة إلى مثل هذا ; لظهور أمر الجائحة ، فأما الفاقة فتخفى .

وقوله : ( حتى يصيبها ثم يمسك ، وحتى يصيب قواما ) ; فيه حد الإباحة إلى زوال الموجب لها ، ثم عوده إلى الأصل السابق الممنوع .

وقوله : ( فما سواهن من المسألة سحت ) ، السحت : الحرام ، وسمي به ; لأنه يسحت ويمحق ، وفيه لغتان : سكون الحاء وضمها .

وروايتنا في " سحت " الأول الرفع على أنه خبر المبتدأ الذي هو" ما " الموصولة .

وقد وقع لبعضهم " سحتا " [ ص: 89 ] بالنصب ، وليس وجهه ببين . وهو" عائد على الحالات الثلاثة ، لا على لفظ الثلاث فإنها للذكور .

وقوله : ( فما سواهن سحت ) ; أي : ما سوى هؤلاء الثلاثة ، ثم هو بعد ذلك مخصوص بحديث سمرة الذي خرجه أبو داود مرفوعا : (المسائل كدوح يكدح الرجل بها وجهه ، إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان ، أو في أمر لا يجد منه بدا) ، وما تدعو الحاجة والضرورة إلى المسألة فيه [يزيد] على الثلاثة المذكورين في هذا الحديث الذي نحن باحثون فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية