المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1761 (27) باب

يجب الرضا بما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما أعطى ويكفر من نسب إليه جورا وذكر الخوارج

[ 929 ] عن جابر بن عبد الله قال : أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة منصرفه من حنين . وفي ثوب بلال فضة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبض منها يعطي الناس فقال : يا محمد اعدل . فقال : ( ويلك فمن يعدل إذا لم أكن أعدل ؟ لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل) ، فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق . فقال : (معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي ، إن هذا وأصحابه يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية) .

رواه أحمد (3 \ 353-354)، والبخاري (3138) مختصرا، ومسلم (1063)، وابن ماجه (172) .


(27) ومن باب: يجب الرضا بما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما حكم

" الجعرانة " : موضع خارج مكة ، وهو ميقات من مواقيت العمرة ، يقال : بكسر العين وتشديد الراء ، وبسكون العين وتخفيف الراء .

و" منصرفه " - بفتح الراء - : وقت انصرافه .

وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لقد خبت وخسرت ) ; رويته بضم التاء وفتحها . فأما الضم : [ ص: 109 ] فمعناه واضح . وأما الفتح : فعلى معنى : إني إن جرت ، فيلزم أن تجور أنت من جهة أنك مأمور باتباعي ، فتخسر باتباع الجائر ، هذا معنى ما قاله الأئمة .

قلت : ويظهر لي وجه آخر ، وهو: أنه كأنه قال له : لو كنت جائرا لكنت أنت أحق الناس بأن يجار عليك ، وتلحقك بادرة الجور الذي صدر عنك ، فتعاقب عقوبة معجلة في نفسك ومالك ، وتخسر كل ذلك بسببها ، لكن العدل هو الذي منع من ذلك . وتلخيصه : لولا امتثال أمر الله تعالى في الرفق بك ; لأدركك الهلاك والخسار .

و" يمرقون " : يخرجون ، كما قد فسره في الحديث الآخر ، وبهذا اللفظ سموا : المارقة والخوارج ; لأنهم مرقوا من الدين ، وخرجوا على خيار المسلمين . والخوارج : جمع خارجة ; يعني به : الطائفة والجماعة .

و" الرمية " : المرمية ، فعيلة ; بمعنى مفعولة .

والحناجر " : الحلوق ، جمع حنجرة ، وهي الحلاقيم أيضا .

و" الضئضئ " - بضادين معجمتين - ، وهو : الأصل ، وله أسماء كثيرة : النجار ، والنحاز ، والسنخ ، والعنصر ، والعيص ، وغير ذلك مما ذكره اللغويون .

ومعنى : ( لا يجاوز حناجرهم ) : لا يفهمونه ، ولا يعملون بمعناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية