المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1764 [ 930 ] وعن أبي سلمة وعطاء بن يسار ، أنهما أتيا أبا سعيد الخدري فسألاه عن الحرورية : هل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرها ؟ فقال : لا أدري من الحرورية ، ولكني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( يخرج في هذه الأمة - ولم يقل : منها - قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، فيقرءون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافه ، فيتمارى في الفوقة . هل علق بها من الدم شيء .

رواه أحمد (3 \ 60)، والبخاري (5058)، ومسلم (1064 \ 147)، وابن ماجه (169) .


( ونصل السهم ) : حديدته ، و ( رصافه ) : مدخل السهم في النصل . و ( نضيه ) : قدحه ، وهو عوده . و ( قذذه ) : ريشه ، جمع قذة . و ( فوقه ) : هو الحز الذي يدخل فيه الوتر .

[ ص: 110 ] و ( العقبة ) ، التي تجمع الفوق هي : الأطرة .

قال ابن قتيبة : الرعظ : مدخل النصل في السهم . والرصاف : العقب الذي فوق الرعظ . قال الهروي : والرصفة : عقبة تلوى على مدخل النصل والسهم .

قلت : ومقصود هذا التمثيل : أن هذه الطائفة خرجت من دين الإسلام ، ولم يتعلق بها منه شيء ، كما خرج هذا السهم من هذه الرمية ، الذي لشدة النزع ، وسرعة السهم ، سبق خروجه خروج الدم ، بحيث لا يتعلق به شيء ظاهر ، كما قال : " سبق الفرث والدم " .

وبظاهر هذا التشبيه تمسك من حكم بتكفيرهم من أئمتنا ، وقد توقف في تكفيرهم كثير من العلماء لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فيتمارى في الفوق ) ، وهذا يقضي بأنه يشك في أمرهم فيتوقف فيهم ، وكأن القول الأول أظهر من الحديث .

فعلى القول بتكفيرهم يقاتلون ويقتلون ، وتسبى أموالهم ، وهو قول طائفة من أهل الحديث في أموال الخوارج . وعلى قول من لا يكفرهم : لا يجهز على جريحهم ، ولا يتبع منهزمهم ، ولا يقتل أسراهم ، [ ص: 111 ] ولا تستباح أموالهم . وكل هذا إذا خالفوا المسلمين ، وشقوا عصاهم ، ونصبوا راية الحرب .

فأما من استتر ببدعته منهم ، ولم ينصب راية الحرب ، ولم يخرج عن الجماعة : فهل يقتل بعد الاستتابة ، أو لا يقتل ؟ وإنما يجتهد في رد بدعته ، ورده عنها . اختلف في ذلك ، وسبب الخلاف في تكفير من هذه حاله : أن باب التكفير باب خطير ، أقدم عليه كثير من الناس فسقطوا ، وتوقف فيه الفحول فسلموا ، ولا نعدل بالسلامة شيئا .

والحرورية : الخوارج . سموا بذلك ; لأنهم خرجوا من حروراء ، وهي حرة معروفة بالعراق .

التالي السابق


الخدمات العلمية