المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1767 [ 933 ] وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق) .

وفي لفظ آخر : " تكون أمتي فرقتين فيخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق " قال أبو سعيد : وأنتم قتلتموهم يا أهل العراق .

رواه أحمد (3 \ 32 و 97)، ومسلم (1065)، وأبو داود (4667) .


وقوله في صفة المخدج : ( إحدى عضديه مثل ثدي المرأة ، ومثل البضعة تدردر ) ، وفي رواية : (طبي شاة ، أو ضرع شاة) . والضرع : للشاة والبقرة . والخلف : للناقة . قال أبو عبيد : الأخلاف لذوات الخف ، ولذوات الظلف ، والثدي : للمرأة . والثندوة للرجل . وتدردر ; أي : تتحرك وتضطرب . قال ابن قتيبة : تذهب وتجيء . وصيغة " تفعلل " تنبئ على التحرك والاضطراب ، مثل : تقلقل ، وتزلزل ، وتدهده الحجر .

وفي " الأم " : قال علي - وذكر الخوارج - : " فيهم رجل مخدج اليد ، أو مودن اليد ، أو مثدن اليد " ، على لفظ الشك لجميع الرواة ، وقال بعضهم : مثدون . وكذا هو عند العذري ، والطبري ، والباجي . فأما : " مخدج اليد " : فناقصها . ومثدن اليد ومثدونها " : صغيرها ومجتمعها ، بمنزلة ثندوة الرجل . وكان أصله مثند ، فقدمت الدال على النون ، كما قالوا : جبذ وجذب .

وقيل معناه : كثير اللحم . قال ابن دريد : ثدن الرجل ثدنا ، إذا كثر لحمه وثقل . وعلى هذا فلا يكون في الحرف قلب . فأما مودن ، فقال أبو مروان بن سراج : يهمز ولا يهمز . قال ابن دريد : رجل [ ص: 116 ] مودن ، ناقص الخلق . وودن ومودن ، وكله بالدال المهملة .

والذي يجمع شتات هذه الأحاديث في صفة يد هذا المخدج ، ويبين صفتها ما جاء في حديث زيد بن وهب الذي قال فيه : ( وآية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ، ليس له ذراع ، على رأس عضده مثل حلمة الثدي ، عليه شعرات بيض ) ، وهذه الرواية : هي أحسن الروايات وأكملها وأبينها .

وقوله : ( يخرجون على خير فرقة ) ; كذا لأكثر الرواة ، وعند السمرقندي وابن ماهان : ( على حين فرقة ) - بالنون والحاء - وكلاهما صحيح . فإنهم خرجوا حين افترق الناس فرقتين ، فكانت فرقة مع معاوية ترى رأيه ، وتقاتل معه ، وفرقة مع علي رضي الله عنه ترى رأيه ، وتقاتل معه . وخرجت هذه الطائفة على علي ومعه معظم الصحابة رضي الله عنهم . ولا خلاف أنه الإمام العدل ، وأنه أفضل من معاوية ومن كل من كان معه ، فقد صدق على فرقة علي رضي الله عنه أنهم [ ص: 117 ] خير [الفرق] ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ( تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ) ، ولا خلاف في أن عليا قتلهم ، ففرقته خير فرقة . وهذا اللفظ يدل على أن ما وقع بين علي وبين معاوية فيه لله تعالى حكم معين ، وأن عليا رضي الله عنه هو الذي أصابه ، والله أعلم .

وقوله : ( سبق الفرث والدم ) ، الفرث : ما يخرج من الكرش . وهذا لسرعة السهم وشدة النزع . وظاهره : أنه لم يصبه شيء ، إلا أنه مقيد بالحديث الآخر الذي قال فيه : ( يتمارى في الفوق ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية