المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1868 [ 978 ] وعنها أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يستفتيه ، وهي تسمع من وراء الباب ، فقال: يا رسول الله! تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم ؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم فقال: لست مثلنا يا رسول الله! قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقي .

رواه أحمد (6 \ 67 و 156 )، ومسلم (1110) وأبو داود (2389) .


[ ص: 166 ] (8) ومن باب: صوم من أدركه الفجر وهو جنب

قوله : ( سمعت أبا هريرة يقص ) ; أي : يتتبع الأحاديث والأخبار ، ويذكرها ، ويعلم العلم .

وقوله : ( من أدركه الفجر جنبا فلا صوم له ) ; هذه الفتيا من أبي هريرة ، وهو قوله الأول .

وقد اختلف في ذلك : فروي عن الحسن بن صالح مثل قول أبي هريرة . وعن الحسن والنخعي : لا يجزئه إذا أصبح عالما بجنابته ، وإن لم يعلم أجزأه .

وروي عن الحسن والنخعي : لا يجزئه في الفرض ، ويجزئه في النفل . وروي عن الحسنين : يصومه ويقضيه .

ومذهب الجمهور ، وهو الصحيح : الأخذ بحديث أم سلمة وحديثي عائشة الآتيين . ومقتضاها : أن صوم الجنب صحيح . وهو الذي يفهم من ضرورة قوله تعالى : فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ; فإنه لما مد إباحة الجماع إلى طلوع الفجر فبالضرورة يعلم : أن الفجر يطلع عليه وهو جنب ، وإنما يتأتى الغسل بعد الفجر . وفي معنى هذه المسألة : الحائض تطهر قبل الفجر ، وتترك التطهر حتى تصبح ، فجمهورهم على وجوب تمام الصوم عليها وإجزائه ، سواء تركته عمدا ، أو سهوا . وشذ محمد بن مسلمة فقال : لا يجزئها ، وعليها القضاء والكفارة . وهذا في المفرطة المتوانية ، فأما التي رأت الطهر [ ص: 167 ] فبادرت ، فطلع الفجر قبل تمامه ، فقد قال مالك : هي كمن طلع عليها وهي حائض ، يومها يوم فطر ، وقاله عبد الملك . وقد ذكر بعضهم قول عبد الملك هذا في المتوانية . وهو أبعد من قول ابن مسلمة .

وقولهما : ( كان يصبح جنبا من غير حلم ) ; يفيد فائدتين :

إحداهما : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجامع ويؤخر غسله حتى يطلع الفجر ، ليبين المشروعية ، كما قال : (عمدا فعلته يا عمر ) .

وثانيهما : دفع توهم من يتوهم : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحتلم في منامه ، فإن الحلم من الشيطان ، والله قد عصمه منه .

وقول أبي هريرة : ( هما أعلم ) ; يدل على رجوعه في قوله الأول . وقد صرح بالرجوع في آخر الحديث .

[ ص: 168 ] وقوله : (ثم رده إلى الفضل ) ; يعني بذلك : أنه سمعه من الفضل ، كما قد نص عليه بعد . وفي النسائي : أنه سمعه من أسامة بن زيد . وهذا محمول على أنه سمعه منهما . وحديث الفضل وأسامة كان متقدما .

قال بعض العلماء : كان ذلك في أول الإسلام ، في الوقت الذي كان الحكم فيه : أن الصائم إذا نام بالليل حرم عليه الأكل والشرب والنكاح أن يمد ذلك إلى طلوع الفجر ، كما جاء في البخاري من حديث البراء بن عازب في قصة قيس بن صرمة . وعلى الجملة : [ ص: 169 ] فذلك الحكم متروك عند جمهور العلماء بظاهر القرآن ، وبصحيح الأحاديث . والخلاف فيه من قبيل الخلاف الشاذ المتقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية