المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
162 [ 89 ] وفي رواية : فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك ، فقال : الله أكبر! أشهد أني عبد الله ورسوله ، ثم أمر بلالا فنادى في الناس : إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ، وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر .

رواه أحمد ( 2 \ 309 - 310) ، والبخاري ( 4203 ) ، ومسلم ( 111 ) من حديث أبي هريرة .


و (قوله - عليه الصلاة والسلام - : " الله أكبر! أشهد أني عبد الله ورسوله ; عند وقوع ما أخبر به من الغيب ; دليل على أن ذلك من جملة معجزاته ، وإن لم يقترن بها في تلك الحال تحد قولي ; وهذا على خلاف ما يقوله المتكلمون : أن من شروط المعجزة اقتران التحدي القولي بها ، فإن لم تكن كذلك ، فالخارق كرامة لا معجزة ، والذي ينبغي أن يقال : إن ذلك لا يشترط ; بدليل أن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا كلما ظهر لهم خارق للعادة على يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، استدلوا بذلك على صدقه وثبوت رسالته ، كما قد اتفق لعمر حين دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قليل الأزواد ، فكثرت فقال عند ذلك : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، وكقول [ ص: 320 ] أسامة بن زيد - رضي الله عنه - ، وبدليل الاتفاق على نبع الماء من بين أصابعه ، وتسبيح الحصى في كفه ، وحنين الجذع من أظهر معجزاته ، ولم يصدر عنه مع شيء من ذلك تحد بالقول عند وقوع تلك الخوارق ، ومع ذلك فهي معجزات . والذي ينبغي أن يقال : إن اقتران القول لا يلزم ، بل يكفي من ذلك قول كلي يتقدم الخوارق ; كقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : الدليل على صدقي ظهور الخوارق على يدي ; فإن كل ما يظهر على يديه منها بعد ذلك يكون دليلا على صدقه وإن لم يقترن بها واحدا واحدا قول . ويمكن أن يقال : إن قرينة حاله تدل على دوام التحدي ، فيتنزل ذلك منزلة اقتران القول ، والله أعلم .

و (قوله : " فنادى في الناس : إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ") أي : مؤمنة ; لأن الإسلام العري عن الإيمان لا ينفع صاحبه في الآخرة ، ولا يدخله الجنة ; وذلك بخلاف الإيمان : فإن مجرده يدخل صاحبه الجنة وإن عوقب بترك الأعمال على ما سنذكره إن شاء الله تعالى ; فدل هذا على أن هذا الرجل كان مرائيا منافقا ; كما تقدم .

ومما يدل على ذلك أيضا : قوله - عليه الصلاة والسلام - : إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ، وهو الكافر ; كما قال : ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا . ويؤيد : يقوي ويعضد . وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بلالا أن ينادي بذلك [ ص: 321 ] القول ، إنما كان تنبيها على وجوب الإخلاص في الجهاد وأعمال البر ، وتحذيرا من الرياء والنفاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية