المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1951 [ 1022 ] وعنها قالت: دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذات يوم فقال: هل عندكم شيء ؟ فقلنا: لا قال: فإني إذا صائم ، ثم أتانا يوما آخر ، فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيس فقال: أرينيه ، فلقد أصبحت صائما فأكل .

رواه أحمد (6 \ 49)، ومسلم (1154) (170)، والترمذي (734)، والنسائي (4 \ 194-195) .


[ ص: 218 ] (20) ومن باب: من أصبح صائما متطوعا ثم يفطر

قوله - وقد سأل - : ( هل عندهم طعام ؟ فقيل : لا ، فقال : إني صائم ) ; حجة لمن قال : إن صوم التطوع يصح بغير نية تبيت ، كما قدمنا الخلاف فيه ، ولا حجة فيه ; إذ يحتمل أن سؤاله أولا : هل عندهم شيء ؟ كان لضعفه عن الصوم فاحتاج إلى الفطر ، فسأل ، فلما لم يجد بقي على ما قدم من صومه ، أو سأل عن ذلك وهو صائم ليعلم هل عندهم ما يحتاج إليه عند إفطاره فتسكن نفسه إليه ، فلا يحتاج إلى تكلف اكتسابه ، ويحتمل أن يكون قوله: ( أنا صائم ) ; أي : لم آكل بعد شيئا ، فيكون صائما لغة .

و ( الزور ) : الزوار ، قال ابن دريد : وهو ما يكون الواحد والجماعة فيه سواء . وقيل : الزور : المصدر ، وبه سمي الواحد والاثنان والجميع ، كما قالوا : رجل صوم وقوم صوم وعدل ، ونحوه للخطابي .

و ( الحيس ) قال فيه الهروي : هو ثريدة من أخلاط . قال ابن دريد : هو التمر مع الأقط والسمن . قال الشاعر :

[ ص: 219 ]

التمر والسمن جميعا والأقط الحيس إلا أنه لم يختلط .

وقولها في هذه الرواية : ( فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأهديت لنا هدية ) ; ظاهره : أن هذا وما قبله كان في يوم واحد ، وليس كذلك ، بدليل : ما جاء في الرواية الأخرى الآتية : ( ثم أتانا يوما آخر ) ، وذكر نحوه .

وقوله : ( قد كنت أصبحت صائما ، فأكل ) ; حجة لمن قال : إن صائم النافلة يجوز أن يفطر فيه ، وأن يخرج منه . وهو قول الشافعي ، وأحمد ، وإسحاق مع جماعة من الصحابة ، مع استحبابهم له إتمامه من غير وجوب . ومنعه ابن عمر وقال : هو كالملاعب بدينه . وهذا مذهب مالك ، وأبي حنيفة ، والحسن ، والنخعي ، ومكحول ، وألزموه إتمامه إذا دخل فيه . فإن أفطر متعمدا قضاه على [ ص: 220 ] مذهب الملزمين لإتمامه . فلو أفطر ناسيا ، أو مغلوبا ، أو لعذر لم يلزم القضاء ، وأسقط أبو حنيفة القضاء عن الناسي خاصة ، وأوجبه عليه ابن علية . وحكى ابن عبد البر : الإجماع على أن المفطر فيه لعذر لا قضاء عليه ; وكأنه لم يقف على ما ذكر عن ابن علية ، فإنه خلاف شاذ . ويحمل الحديث عند هؤلاء على أنه صلى الله عليه وسلم كان مجهودا .

ومما يستدل به لمالك ومن قال بقوله : حديث النسائي عن عائشة -رضي الله عنها- قالت : أصبحت صائمة أنا وحفصة ، فأهدي لنا طعام فأعجبنا ، فأفطرنا ، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فبدرتني حفصة فسألته ؟ فقال : (صوما يوما مكانه) .

وقول مجاهد : ذلك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله ، فإن شاء أمضاها ، وإن شاء أمسكها (قياس) ، ليس بصحيح ، فإن الذي يخرج الصدقة من ماله ولم يعطها للفقير ، ولم يعينها ، لم يدخل في عمل يجب إتمامه ، بخلاف الصائم ; فإنه قد دخل في عمل الصوم ، وقد تناوله نهي قوله تعالى : ولا تبطلوا أعمالكم ; وإنما يدخل في عمل الصدقة بدفعها لمستحقها ، أو بتعيينها ، وحينئذ تجب للفقير ، ويحرم على مخرجها الرجوع فيها ، وأخذها منه ، فأما قبل [ ص: 221 ] ذلك فغاية ما عنده نية الصدقة ; لا الدخول فيها ، فافترق الفرع من الأصل ، ففسد القياس .

التالي السابق


الخدمات العلمية