المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
1974 (23) باب

فضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر

وسرر شعبان ، وصوم المحرم

وستة أيام من شوال

وقد تقدم قوله عليه الصلاة والسلام : صيام ثلاثة من كل شهر صيام الدهر .

[ 1030 ] وعن معاذة العدوية ، أنها سألت عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم- أكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قالت: نعم فقلت لها: من أي أيام الشهر كان يصوم ؟ قالت: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر يصوم .

رواه أحمد (6 \ 145 و 146 )، ومسلم (1160)، وأبو داود (2453)، والترمذي (763)، وابن ماجه (1709) .


[ ص: 232 ] (23) ومن باب: فضل صوم ثلاثة أيام

قول عائشة -رضي الله عنها- : ( لم يكن يبالي من أي أيام الشهر كان يصوم ) ; تعني : أنه لم يكن يعين لصوم الثلاثة زمانا مخصوصا من الشهر يداوم عليه ، وإنما كان يصومها مرة في أوله ، ومرة في آخره ، ومرة في وسطه . وهذا - والله أعلم - لئلا يتخيل متخيل وجوبها لو لوزمت في وقت بعينه ، أو ليبين فرق ما بين الواجب والتطوع ، فإن الواجبات في الغالب معينة بأوقات ، أو ذلك بحسب تمكنه ، والله تعالى أعلم . غير أنه قد جاء في حديث صحيح ذكره النسائي من حديث جرير بن عبد الله : تخصيص أيام البيض بالذكر المعين ; فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر ; أيام البيض صبيحة ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس [ ص: 233 ] عشرة ) . روينا هذا اللفظ عن متقني مشايخنا ; برفع (أيام) و (صبيحة) على إضمار المبتدأ ، كأنه قال : هي أيام البيض ، عائدا على ثلاثة أيام ، و (صبيحة) يرتفع على البدل من (أيام) . وأما الخفض فيهما : فعلى البدل من (أيام) المتقدمة . هذا أولى ما يوجه في إعرابها .

وعلى التقديرين : فهذا الحديث مفيد لمطلق الثلاثة الأيام التي صومها كصوم الدهر ، على أنه يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - عين هذه الأيام لأنها وسط الشهر وأعدله ، كما قال : (خير الأمور أوساطها) .

وعلى هذا يدل قوله - صلى الله عليه وسلم - : (هل صمت من سرة هذا الشهر شيئا) ; على ما يأتي إن شاء الله .

وقد اختلف في أي أيام الشهر أفضل للصوم ؟ فقالت جماعة من الصحابة والتابعين ; منهم : ابن عمر ، وابن مسعود ، وأبو ذر : أن صوم أيام البيض أفضل ; تمسكا بالحديث المتقدم . وقال آخرون ; منهم : النخعي : آخر الشهر أفضل . وقالت فرقة ثالثة : أول الشهر أفضل ; منهم : الحسن . وذهب آخرون : إلى أن الأفضل صيام أول يوم من السبت والأحد والإثنين في شهر ، ثم الثلاثاء والأربعاء والخميس ; منهم عائشة . واختار آخرون الإثنين والخميس . وفي حديث ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم ثلاثة من كل شهر : أول إثنين ، والخميس الذي بعده ، والخميس الذي يليه . وعن أم سلمة : أول خميس ، والإثنين ، والإثنين . واختار بعضهم : صيام أول يوم من الشهر ، ويوم العاشر ، ويوم العشرين . وبه قال أبو الدرداء . ويروى أنه كان صيام مالك . واختاره ابن شعبان . وقد روي عن مالك كراهة تعمد صيام أيام البيض ، وقال : ما هذا ببلدنا . والمعروف من مذهبه كراهة [ ص: 234 ] تعيين أيام مخصوصة للنفل ، وأن يجعل الرجل لنفسه يوما ، أو شهرا يلتزمه .

والحاصل : أن ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر حيث صامها ، وفي أي وقت أوقعها . واختلاف الأحاديث في هذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يرتب على زمان بعينه من الشهر ، كما قالته عائشة -رضي الله عنها- ، وأن كل ذلك قد فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - . ويرحم الله مالكا لقد فهم وغنم .

التالي السابق


الخدمات العلمية